بقلم:هاني عوكل
شكلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت قبل عشرة أيام صدمة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، الذي كان يتطلع إلى الفوز فيها وتشكيل حكومة ائتلافية دون تكلفة مسايرة مختلف الأحزاب في الساحة الإسرائيلية.
حزب "الليكود" تراجع بفارق مقعد واحد عن "أزرق أبيض" الذي يتزعمه بيني غانتس، والذي حصل على 33 مقعدا في الكنيست، وكان يفترض أن يكلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين غانتس تشكيل الحكومة، لكنه طلب من نتنياهو أن يقوم بذلك.
سبب تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة يعود لحصوله على عدد توصيات أكبر من زعيم "أزرق أبيض" بفارق نقطة واحدة، حيث حصل الأول على تأييد 55 نائبا مقابل 54 لغانتس، غير أن تكليف الرئيس الإسرائيلي لا يعني أن نتنياهو قد يوفق في تشكيل حكومة خلال المدة الزمنية التي أمامه.
لقد طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته برنامجا انتخابيا، يتركز على ما يصفها مجموعة من التحديات، ربما أولها تمرير صفقة القرن والاستفادة من دعم الرئيس الأمريكي ترامب لإسرائيل لإفشال الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى ملف إيران الذي يرى فيه نتنياهو موضوع الساعة والهاجس الأمني الذي ينبغي أن يلفت انتباه ويقلق كل إسرائيلي.
الملف الفلسطيني لم يكن غائبا عن برنامج نتنياهو، الذي فاز أكثر من مرة على حساب الدم الفلسطيني، لكن هذه الانتخابات ركّزت على شخصه، ربما للقناعات التي بدأت تتولد لدى الرأي العام الإسرائيلي بأنه –نتنياهو- لا يكترث سوى للمنصب ويسعى جاهدا للهروب من تهم الفساد التي تحوم حوله.
يفترض أن نتائج هذه الجولة الثانية من الانتخابات قد أطاحت بنتنياهو على خلفية خسارته أمام حزب جديد "أزرق أبيض"، لكن الفرصة جاءته وسيتمسك بالكرسي لأنه يدرك أن تهم الفساد والرشاوى وخيانة الأمانة العامة قد تطيح به، ولذلك فضّل نتنياهو كسب تأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة حتى لا يصبح على الهامش.
الآن ليس هناك من خيارات كثيرة أمامه سوى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حزب غانتس، أو أنه سيذهب إلى خيار حكومة ائتلافية ضيقة، تضم أحزابا يمينية متطرفة وعلى رأسها صديق الأمس أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا".
الخيار الثالث ألا يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية، حينذاك سيكلف الرئيس الإسرائيلي شخصية أخرى هي غانتس، أو أنه سيطلب من أحد أعضاء الكنيست هذه المهمة إذا وجده قادرا على تشكيل حكومة، أو يطلب من الكنيست اختيار شخصية مناسبة.
قد يقود الخيار الثالث إلى إعادة إجراء الانتخابات مرة أخرى، لكن يبدو أن نتنياهو لا يفضل هذا الخيار، وكذلك الحال بالنسبة لكتلة "أزرق أبيض" ومختلف الأحزاب الإسرائيلية، التي تجد في تكرارها تآكل شعبيتها وربما إعادة إنتاج النتائج السابقة نفسها.
هذه المرة سيفعل زعيم "الليكود" المستحيل من أجل تشكيل حكومة ائتلافية؛ سواء بالتحالف مع غانتس أو حتى بإرضاء ليبرمان وتقبيله ومصافحته، لكن حتى يشكل الحكومة بأقل عدد من التنازلات، من الجائز أن يتحضر لخطابات "عرمرمية" تسحر قلوب الأحزاب الإسرائيلية.
سيتحدث كثيرا عن الفرص التي ينبغي على إسرائيل استثمارها في هذا الوقت الحساس، وقد يربط الإعلان الأمريكي عن صفقة القرن بمسألة صعوده إلى الحكومة، وسيغازل الأحزاب اليمينية لكسب ودها حتى لو وصل به الأمر إلى تشكيل حكومة ضيقة بصيغة النصف زائد واحد.
وهو ليس أمامه من مفر سوى القيام بذلك وفق قناعات تهدف إلى جلب انتباه الرأي العام حول موضوع تشكيل الحكومة والتحديات التي تواجهها، وفي المقابل صرف انتباهه عن ملف التهم والفساد التي من المحتمل أن يسأل عنها نتنياهو أوائل الشهر المقبل.
الآن رقبة نتنياهو بيد كل من غانتس وليبرمان، ومن ثم هو بحاجة إلى الحديث مع أي منهما، فإذا اتفق مع زعيم "أزرق أبيض" فهذا يعني أنه ليس بحاجة إلى مغازلة زعيم "إسرائيل بيتنا" لتشكيل حكومة، وإذا لم يفلح في وضع غانتس بجيبه، فلا مفر أمامه سوى مواجهة ليبرمان.
في كل الأحوال، من المرجح أن يستثمر زعيم "الليكود" الوقت بفتح خطين، واحد مع غانتس والثاني مع ليبرمان، لأنه يريد أن يعرف ما هو الثمن الذي عليه دفعه، وفي النهاية مهما كان حجم البرامج والأجندات والأيديولوجيات مختلفا بين هذه الأحزاب، تبقى هناك هوامش للمناورة وإغراءات للاتفاق فيما بينها.
سيتحالف نتنياهو مع الشيطان إذا لزم الأمر من أجل البقاء في منصبه، فقد قدم له الرئيس ريفلين فرصة والآن الكرة في ملعبه، ومن المرجح أن يوفق في تشكيل حكومة إنقاذ له، كونه يدرك حسنات السلطة والحصانة التي يتمتع بها، ويعلم جيدا أن طرق اتهامه مختلفة إذا كان على رأس الحكومة أو خارج أسوارها.
لا يهم زعيم "الليكود" إن شكّل حكومة يمينية متطرفة حتى النخاع، ولعله يفعل ذلك ويعتمد في مشواره التشاوري على الأحزاب اليمينية التي يميل إليها في الفكر أكثر من غانتس، ومن المرجح أن يحظى بدعم ليبرمان، لكن بالتأكيد كل ذلك كان وسيكون على حساب ثوابت وتضحيات الشعب الفلسطيني.
الحكومة الإسرائيلية ستبقى نفسها هي الحكومة في ممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين، سواء ظل نتنياهو في منصب رئاسة الوزراء أو قفز عنه، ذلك أن كل الأحزاب الإسرائيلية متشابهة في أيديولوجياتها ولا يوجد هناك يسار، حتى لو أفرزت الساحة غانتس أو من على يساره.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"