بقلم: عماد شقور
كتاب مهم صدر الشهر الماضي في إسرائيل. عنوان الكتاب هو «المنذر». وهو عبارة عن حصيلة 17 جلسة حوار ونقاش أجراها مؤلف الكتاب، شمعون شيفر، على مدى اشهر السنتين الماضيتين، مع عاموس غلعاد، وتم تحريرها لتصدر في كتاب من 240 صفحة.
قبل التطرق الى فحوى الكتاب ومادته ومواضيعه، نتوقف قليلا في محطة التعرف على شخصيتي مؤلف الكتاب و«بطله»:
ـ شمعون شيفر: هو الكاتب والمحلل السياسي لصحيفة «يديعوت احرونوت»، ومن كبار صحافيي الدرجة الاولى في إسرائيل. بدأ عمله الصحافي سنة 1974، بعد ان انهى خدمته العسكرية، التي عمل في ختامها في جهاز الرقابة العسكرية على الصحف والكتب. وعلى مدى السنوات 1979 ـ 1986 عمل كمراسل سياسي للإذاعة الإسرائيلية في إسرائيل، ثم مراسلا لها في واشنطن حتى سنة 1989، وأثار خلالها حفيظة السلطات والاجهزة الإسرائيلية مرات عديدة، كانت أبرزها خلال اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وحصار العاصمة بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982، (ونشر سنة 1984 كتابه بعنوان «كرة الثلج ـ أسرار حرب لبنان» والذي ترجم إلى العربية)؛ وخلال عمله في واشنطن، عندما كشف أن إسرائيل هي التي بادرت إلى ارسال الاسلحة والمعدات الى إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، في ما عرف لاحقا بفضيحة «إيران غيت». ويمكن القول إن شيفر تابع كل خفايا الأحداث والتطورات في إسرائيل والمنطقة، على مدى العقود الأربعة الماضية.
ـ عاموس غلعاد: جنرال احتياط في الجيش الإسرائيلي، ورئيس «معهد السياسات والاستراتيجية» في «مركزهرتسليا المتعدد التخصصات» والذي يعقد سنويا، (منذ سنة 2000)، «مؤتمر هرتسليا»، (او باسمه الرسمي: «مؤتمر هرتسليا حول ميزان/مقياس المناعة والأمن القومي»)، الذي يحاضر ويتحدث فيه كبار الشخصيات في الحكومة، وأجهزة الأمن، ورجال الاقتصاد، إضافة لشخصيات دولية، متخصصة في مجالات الأمن القومي والاقتصاد.
تجند غلعاد في الجيش الإسرائيلي سنة 1972، وظل فيه لغاية سنة 2003، وفي خلال خدمته العسكرية شغل مناصب عديدة في قسم الأبحاث والدراسات في الاستخبارات العسكرية، ثم رئيسا لهذا القسم حتى سنة 2001، حيث تم ترفيعه إلى رتبة جنرال، وعُيِّن مسؤولا عن تنسيق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، والعلاقات مع السلطة الفلسطينية حتى سنة 2003، وخروجه للتقاعد، ليعين أثرها رئيسا للقسم الأمني السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الى حين استقالته سنة 2017.
كان لعاموس غلعاد على مدى العقود الأربعة الأخيرة، دور مباشر كبير ومؤثر في كل الأحداث الأمنية والسياسية في إسرائيل والمنطقة، سواء في الواجهة، (في غالب الأحيان)، أو من وراء ستار: في سيرته أنه حذّر مسبقا من احتمال وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا في ايلول/سبتمبر 1982؛ وحذّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في فترة توليه المنصب للمرة الأولى سنة 1996، من الخطر الإيراني، وسعي إيران لإنتاج سلاح نووي؛ وحذّر رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، ايهود براك، من الفشل المؤكد لمؤتمر كامب ديفيد سنة 2000، وانطلاق انتفاضة فلسطينية ثانية، مسلّحة ودموية هذه المرة، في سبتمبر/ايلول 2000، مع انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاقية اوسلو؛ ساهم بشكل مباشر في كشف إقامة سوريا لمفاعل ذري في شمال سوريا، وساهم مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، ايهود اولمرت، في رسم وتخطيط وتنفيذ عملية قصف وتدمير ذلك المفاعل سنة 2007؛ وغير ذلك من الأحداث، بما فيها المفاوضات غير المباشرة حول قضية الأسير الإسرائيلي، غلعاد شاليط، ومفاوضات «التهدئة» مع حركة حماس.
ليس غريبا، بعد كل هذا، أن يختار شمعون شيفر عنوانا لكتابه الذي نحن بصدده هو: «المنذر».
في كتاب الحوارات الممتدة هذا، يكشف الجنرال المتقاعد، عاموس غلعاد، العديد من أسرار عسكرية وسياسية، تسمح الرقابة العسكرية لأول مرة بالكشف عنها. ولعل من أبرز هذه القضايا:
ـ كيف تمت ولادة عملية قصف المفاعل الذري في سوريا، والتي كان غلعاد ضمن الطاقم الضيّق الذي أعدّها.
أسباب القلق في إسرائيل، وهي ترى نفسها تصطدم بجدران الرفض لها ولسياساتها، من الفلسطينيين والعرب وأوروبا ونصف أمريكا (الحزب الديمقراطي)، وبدء جمع أمريكا الامبريالية برئاسة دونالد ترامب لعصيّها في الشرق الأوسط والرحيل عنه
ـ محاولات متابعة الحالة الصحية لقادة المنطقة.
ـ عواقب وتأثيرات «قضية/فضيحة الغواصات»، (والمتهم فيها نتنياهو وعدد من أكثر المقربين منه، والتي تمتد لفساد مالي ورشوات بملايين الدولارات، وأخطر من ذلك: الموافقة على تزويد سلاح البحرية المصري بغواصات متطورة على غرار تلك التي تعاقدت إسرائيل على شرائها من ألمانيا، والاتفاق على ذلك دون علم ‘ ومن وراء ظهر وزارة الدفاع الإسرائيلية).
ـ اللقاءات مع (الزعيم الفلسطيني) ياسر عرفات، في تونس، وقائمة طعام عرفات خلال فترة حصاره في المقاطعة في رام الله.
ـ المحادثات الحميمة مع الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح لاحقا رئيسا لجمهورية مصر العربية.
ـ اللقاءات مع بشير الجميِّل في بيروت، وشهادة غلعاد أمام «لجنة كوهين للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا».
على أن ما يمكن اقتباسه من مادة الكتاب، في هذا العرض السريع له، نظرا لما اعتقد من اهمية على ما قد يحدث ويستجد في المستقبل، (من وجهة نظر الجنرال عاموس غلعاد)، هو:
شمعون شيفر: لقد قلت اكثر من مرة ان عباس هو فرصتنا الاخيرة للتوصل الى اتفاق،هذا اذا كان ممكنا اصلا، فهل تعتقد ان ذلك ما زال ممكنا في زمن ولايته؟.
عاموس غلعاد: «أنا لست متفائلاً. تماماً كما لا يقوم أبو مازن بإعداد أي بنية أساسية لنقل السلطة، فهو لا يُعِدّ أيضًا أي بنية تحتية للسلام. صحيح أنه يفعل كل ما هو ممكن للحفاظ على الهدوء والتنسيق الأمني، لكن لا شيء غير ذلك. يقول أبو مازن أساسًا: انظروا إلى ترامب في الولايات المتحدة، انظروا إلى الإسرائيليين. لا يوجد أحد للتحدث معه، وعندما يقول الطرفان إنه لا يوجد من يمكن التحدث إليه، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى كارثة من العنف والإرهاب على المدى القصير، وإلى واقع دولة واحدة لشعبين بين البحر والنهر في المستقبل البعيد».
شيفر: هذا هو واقع الحال الآن، ألا ترى أي امكانية أو احتمال لحل الدولتين؟
غلعاد: «اليوم لا. لأن نتنياهو انسحب من هذا الاحتمال. إنه لا يقول ذلك، لكنه انسحب عمليا. إنه لا يكرر (تعبير حل الدولتين)، الأمريكيون يروجون لمبادرة سلام من نوع ما يبدو لي وكأنها شيء سيناقشه الفلسطينيون لمدة 15 دقيقة ويرفضونه. وهكذا سنجد أنفسنا بدون أي بديل، أو، ربما، وبشكل أكثر دقة، مع بديل واحد: التحول بطيئا بطيئا الى دولة واحدة للشعبين. أين هو احتمال حل الدولتين الذي التزمنا به؟. لماذا تم الذهاب إلى أوسلو؟. لماذا ألقى نتنياهو «خطاب بار ايلان»، (الذي أعلن فيه التزامه بحل الدولتين)؟. ثم ماذا لو حشرنا أبو مازن في الزاوية؟ بل حتى لو هزمناه سياسيا، فما هي النتيجة التي سنصل إليها؟. إن من سيكون الخاسر في النهاية هو نحن».
«اعتقدت دائمًا أن فرص التوصل إلى اتفاق ضئيلة، ولكنها تتلاشى مع مرور الوقت. وفي النهاية، سيعشق الفلسطينيون فكرة الدولة الواحدة للشعبين، لأنها تخدمهم ديمغرافيًا وسياسيًا. «دعونا ننتظر. نتحلى بالصبر، دولة إسرائيل ذات الأغلبية الفلسطينية بين البحر والنهر ستفقد صلاحيتها الأخلاقية وحقها في الوجود». هذه قضية وجود بالنسبة لنا، إنها ليست مسألة يمين أو يسار، وأخشى أننا تجاوزنا نقطة العودة بالفعل».
شيفر: أين أخطأنا؟. وهل تعتقد أنه كان بالإمكان منع ذلك لو تصرفنا بشكل مختلف؟
غلعاد: «كان بالإمكان عدم التواصل مع عرفات قبل 25 سنة. ولكن في التاريخ، لا يوجد شيء اسمه «ماذا لو». لا يوجد سوى ما فعلت أو لم تفعل. خلاصة القول هي أنني لا أرى أي قوة في العالم اليوم تحرّك وتدفع حل الدولتين. إنه حرف ميت.
«سوف يزداد الوضع سوءًا فقط بعد عهد أبو مازن. سيغرق مسؤولو حركة فتح في صراعات داخلية، ولن يملك أي منهم سلطة اتخاذ القرار، سيحاول كل منهم الظهور بأنه أكثر تطرفا في مواجهة إسرائيل، وسوف نجد أنفسنا في مواجهة سلطة منهارة، وسيتصاعد العنف والقتال المتشعّب. لهذا السبب أعتقد أننا نسير في مسار تصادمي، الأمر الذي سيجعل الفصل بيننا وبين الفلسطينيين مستحيلاً».
شيفر: كيف سيؤثر هذا على مكانة إسرائيل في المنطقة؟
غلعاد: «في حالة اندلاع العنف، أخشى أن يؤثر ذلك على علاقاتنا بالعالم العربي أيضًا. من تجربتي، لن تجرؤ الدول العربية على خيانة الفلسطينيين أو إجبارهم على التفاوض أو الموافقة على مطالب إسرائيل. وبالطبع، سوف تدخل إيران على خط الحوار الفلسطيني الداخلي، وستقول حماس: «هذا هو الدليل على أن طريقنا فقط، في الكفاح المسلح، هو الطريق الصحيح». عندما أنظر إلى إيران، حزب الله، حماس، كل المتطرفين الفلسطينيين الآخرين، وكل هذا المحور القائم اصلا على قاعدة كراهية إسرائيل، فإنني أصبح قلقا للغاية».
هذا هو فحوى الكتاب، ولم نتطرق لما يؤكد مبرر السّواد والقلق فيه، من خلال كل ما استجد في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، مما يزيد من أسباب القلق في إسرائيل، وهي ترى نفسها تصطدم بجدران الرفض لها ولسياساتها، من الفلسطينيين والعرب وأوروبا ونصف أمريكا (الحزب الديمقراطي)، وبدء جمع أمريكا الامبريالية برئاسة دونالد ترامب لعصيّها في الشرق الأوسط والرحيل عنه.
عن صحيفة القدس العربي
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"