بقلم/ ليث شحادة
رائحة العزيمة. أفاحها معلوم وأخفى نواياه الخبيثة على ما يبدو!، لم أستطع شمها بأنفي أحد حواسي الربانية، لكونها واقعية عابرة وراكبة في غيمة سوداء ثابتة في سمائنا منذ أكثر من عقد من الزمن، وواجب التوقف عندها لمعرفة إن كانت تلك العزيمة توحي بدلالة الإصرار الشديد نحو تطبيق الشيء، أم عزيمة معرية من معانيها وزائفة وأن سبب ظهورها فقط لحفظ ماء الوجه.
ومن الحماقةِ تشبيه العزيمة برائحةٍ سريعةٍ المفعول والتأثير. لكنها أرادت أن تكون بهذا الوصف الذي أقصده في النقطة السابحة في ذهني، ليس لأنها خُلقت بمغزى وحضور كوني، بل لطريقة عرضها التي ربما قد تكون مؤثرة ومُربكة بعض الشيء لمن استشعر بها وهو على شكل: متلقي ومنتظر ومشؤوم ومتأمل وأهمهم: الطرف المتلقي.
وما كنتُ إلا معترفًا بحتميتها وحقيقتها ولعل ذلك يعود إلى رؤيتي السياسية المتواضعة، بأن الرئيس محمود عباس بعث مسؤول لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر إلى غزة مرتين في غضون أسبوع، لقياس حرارة جسد حماس والذي مطلوب من الأخير أن ينقل للأول حالة ذلك الجسد من ارتفاع وانخفاض، فالأول كان تواقا لمعرفة أي من الحالتين، إلا أن الجسد تكلّم إعلاميًا عبر مكونين أساسيين وبارزين وهما: هنية والسنوار، ونهد بهمة عالية وبحرارة نشوة الاستعداد والإصرار نحو الانتخابات الشاملة. الموضوع الشاغل حاليًا الساسة الفلسطينيون وليس الشارع ككل وهنا أقصد الضفة وغزة والقدس.
وكل المؤشرات تدل على قبول حماس مبدأ فتح وهو الفصل بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية بضعة أشهر، بعدما رفضته وعندت بموقفها وهو إجراء الانتخابات العامة رزمة واحدة. وبالعودة إلى ذلك الجسد الذي كان برأسين، تخطى جهاز ناصر حنا "الترمومتر" المخصص لقياس حرارة الجسد، قبل أن يعود ناصر إلى الرئيس في المرة الأولى من عودته إلى رام الله لتسليم النتيجة.
ربما يسأل أحدكم: أليست حماس مستعدة على الدوام للانتخابات، وما الذي اختلف هذه المرة لتغرقنا في تعبيراتك الخيالية؟، لأجيب بقناعتي الشخصية: حماس اعتلت الذكاء السياسي وأبدت جهوزيتها واستعدادها حسبما تقول وكلاهما يكملان ذات المعنى، لخوض الانتخابات، مستغلةً وضع فتح التنظيمي والمؤسساتي المترهل وخاصة في غزة ووجود جناحين لها: عباس ودحلان، فحماس تريد كسب المواقف ولو من سيرة الانتخابات. وقد أكون ظالمًا لها فيما قلته بأخر خمسة أو ستة كلمات وتكون حقًا تتسم بنفس طيب ووطني وتدعم الخيار الديمقراطي وتحترم ما يختاره الشعب.
وإذا ربطت فكرتي التي استعرضتها سلفًا بفكرتي التالية، لأجد نفسي متوقفًا عند فرضية توحي بأن المطبخ السياسي برام الله تفاجئ من ديناميكية حماس إزاء الانتخابات ونديتها في الدخول مرة أخرى بمعركة صناديق الاقتراع، ريثما حماس توضح صورة أنها مع توسيع كرسي (السلطة والمنظمة) التي تتربع عليه فتح من سنوات طويلة، وفق مبدأ الشراكة، وأنها رافضة لهيمنة فتح على القرار السياسي، بينما الطرف الآخر يفهم أنها محاولة خفية وعلنية لإزاحة الكرسي من تحتها. ولا زلنا نعيش في رحاب الأوهام وسوداوية العقول الحزبية.
حماس الراغبة بتأسيس أرضية توافقية قبل الانتخابات مثل باقي الفصائل، جهزت بارودها الأولي عاجلاً وإعلاميًا قبل انطلاقه نحو الهدف المرجو. بانتظار أن تغلف الانتخابات التي ستقع في حفرتين عميقتين وهي الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، بمرسوم رئاسي. وأي معجزة ستنتشلها وتسير بها إلى طريق السلامة. فالشعب لم يعد يحتمل أكل الأطعمة العفنة التي كونها الخلاف الفتحاوي والحمساوي رغمًا عن مذاقه ومزاجه، ويسعى إلى تفريغها من معدته التالفة أصلاً، ويبدأ بعلاج معدته ثم بذوقه الخاص يختار الأطعمة الطازجة (تعبير مجازي) وصولًا إلى التغذية السليمة ليقوي بها جسمه وصموده على أرضه. وعَلّ أن يتحقق مُراده.