قائمة الموقع

بدعة أميركية جديدة!

2019-11-21T09:56:00+02:00
ترامب ونتنياهو

بقلم: عبد المجيد سويلم

لا يمكن وصف إعلان وزير خارجية الولايات المتحدة عن «عدم» مخالفة بناء المستوطنات للقانون الدولي إلاّ باعتبارها «بدعة» جرى إعدادها على عجل، «علّها» تنقذ نتنياهو في اللحظات الأخيرة من سباق المسافات القصيرة إلى البيت، أو إلى السجن أو إلى كليهما بالتتالي.

الولايات المتحدة نفسها، ووزير خارجيتها على وجه الخصوص، ونتنياهو وكل فريقه المتطرف، يدركون جيداً أن لا قيمة حقيقية لهذا الإعلان، وأنه لن يضيف لإسرائيل الشيء الكثير، وهم يعرفون أن النتيجة الوحيدة الحقيقية لهذا الإعلان ستكون إعادة تجديد المجتمع الدولي، ومؤسسات ومنظمات القانون الدولي، وكل قوى الخير والسلام على امتداد الكرة الأرضية على عدم شرعية الاستيطان والمستوطنات، وأن «حظ» هذا الإعلان لن يكون أفضل من حظ محاولات إلغاء وكالة الغوث.

ليس هذا فحسب، فالولايات المتحدة تدرك أن العزلة والنبذ هما المصير المحتوم لهذا الإعلان.

لكن هل أن المسألة هي مجرد بدعة في سياق التبني الكامل من قبل هذه الإدارة لكافة المواقف والسياسات الإسرائيلية؟
أو هل هي مجرد «هدية» ترامبية لليمين المتطرف في إسرائيل في لحظات سياسية حاسمة؟!

أم ان للمسألة وجهها الآخر؟

هذا الوجه الآخر بالذات هو ما يحتاج التحليل والاهتمام كما أرى.

لماذا يُعرّض ترامب الولايات المتحدة لهذه العزلة، ولماذا يغامر بتحويل بلاده إلى «دولة غير مسؤولة»، وتعريض كل سياسات دولة عظمى إلى هذا الهزل والسخرية، وإلى هذه الدرجة من الانغلاق بل وإلى هذه الدرجة من الغرائبية والطيش؟

السبب الحقيقي هو هذا الوجه الآخر بالذات.
وإذا أردنا الوقوف على ماهيّة الوجه الآخر للبدع الأميركية المتواصلة علينا أن نفتش عن الانتخابات الأميركية!
مَن يوظف مَن من خلال هذه البدعة؟

ليست إسرائيل من خلال هذه البدعة سوى الطرف الواهم والطرف المخدوع، الذي يعرف أن يشتري الأوهام ويسوّقها على أنها إنجازات تاريخية، ويدرك أن على إسرائيل اليمينية المتطرفة أن تستنفر كامل إمكانياتها وطاقتها للزج بها في معركة ترامب القادمة، وعلى إسرائيل أن تقدم له وتسخر له الكتل المتراصة من الناخبين اليهود والمتطرفين، وأنصاف المتطرفين، وأن تقدم له دعم المؤسسات الإعلامية والمؤسسات المالية، ومؤازرة كل رجال الأعمال الكبار المحسوبين على اليمين المتطرف في إسرائيل.

ترامب الماكر والمخادع يبيع نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل الأوهام التي يحتاجها، والخدع التي تجعل من جماعات التطرف والاستيطان كتلة «متراصة» حول «برامج» التوسع والضم وحول النهب المنظم للأرض الفلسطينية.

وبالمناسبة فإن ترامب من خلال «بدعه» السياسية على مستوى العالم كله يحاول أن يقوم بنفس الدور مع اليمين المتطرف في العالم كله، وهو يعتقد أن هذه البدع بالذات هي التي ستبني له امبراطوريته الخاصة.

إذاً، يشتري نتنياهو وجوقته البدع الأميركية، ويقوم ببيعها للمجتمع الإسرائيلي باعتبارها إنجازات «باهرة»، ويشتري جمهور اليمين المتطرف واليمين عموماً هذه البدع ويعتاش عليها في معركة صراع البقاء في إسرائيل.

ترامب الماكر المخادع الذي يحاول تصوير خطواته بأنها أقرب إلى السذاجة والعفوية والارتجال، عرف كيف يوظف نتنياهو لمصالحه الخاصة، وعرف كيف يستفيد من «حاجة» نتنياهو للبدع الترامبية. لكن السؤال الذي يطرح مع ذلك كله، هل كان بالإمكان أن يتم كل هذا التوظيف وهذا الخداع وكل هذا الضجيج لو كان ترامب يحسب حساباً للعالم العربي وموقفه الحازم حيال هذه البدع الأميركية؟

نقطة الضعف القاتلة هي هشاشة الموقف العربي في كل مقاربة الولايات المتحدة «للحل» في منطقة الشرق الأوسط.

الحقيقة أن ترامب متيقن ومتأكد أن «العرب» لن يذهبوا إلى أبعد من التنديد حتى لو أعلن وزير خارجيته أن على الشعب الفلسطيني أن يغادر فلسطين طوعاً قبل إجباره على الرحيل عنها..!

وليس صحيحاً أن الوضع الداخلي الفلسطيني يشجع ترامب على التمادي في إغداق الهبات والمنح والهدايا لغلاة المتطرفين في إسرائيل. ذلك أن الشعب الفلسطيني موحد حول الموقف الرسمي الرافض لكل الخطة الأميركية، وأن من يحاول التساوق معها عبر بوابة «غزة» ستلحق به تهمة لن يفلت من نتائجها أبداً.

ولهذا فإن أزمة الوضع الداخلي الفلسطيني هي ذريعة لتستر العرب خلفها و»لتبرير» موقفهم المهادن تجاه الولايات المتحدة وهي تشهر عداءها السافر للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.

على كل حال لم تثمر الهبات والهدايا وجوائز الترضية التي يُنعم بها ترامب على اليمين في إسرائيل، وهي لن تحقق لنتنياهو أي مكاسب حقيقية لا الآن، ولا في الانتخابات القادمة التي أصبحت هي النتيجة المرجحة للأزمة السياسية الطاحنة في إسرائيل.

كل خطوة في الهواء يُقدم عليها ترامب في مسار توظيف إسرائيل لمعركته الانتخابية سيقابلها إعادة تمسك المجتمع الدولي بالشرعية الدولية، وسيضع إسرائيل في عزلة متصاعدة، وسيلقي بظلال من الشك على «أهلية» ترامب، وسيعجّل في مسار إجراءات عزله التي بدأت، وسيعزز من ثقة الفلسطينيين بأنفسهم، وبقدرتهم على هزيمة الترامبية المنفلتة.

ليس تقليلاً من شأن إعلان بومبيو وإنما تأكيد على أهمية رؤية الجانب الآخر لهذه الخدع والبدع الأميركية.

عن صحيفة الأيام 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة