بقلم: هاني حبيب
ما مدى مصداقية واستقلالية، المحكمة الجنائية الدولية، هذا السؤال سبق أن طرح أكثر من مرة على ضوء تقارير المحكمة، خاصة الأخير منها والمتعلق بالحالة في فلسطين، والذي اعتمد على مبدأ مضلل، تحت عنوان التوازن بين الجاني والضحية، في سياق معلومات مشوهة ومضللة، والأهم من ذلك إغفال ما زودت به السلطة الفلسطينية الجنائية الدولية، بلاغات وتقارير وشكاوى بشكل منتظم ومتواصل، حول الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، ما أدى من خلال التقرير الأخير للجنائية الدولية حول الحالة في فلسطين، إلى ما قالت الخارجية الفلسطينية عنه تغليب التوازن على العدالة وتغييب لصوت الضحايا.
وبينما أعربت وزارة الخارجية الفلسطينية عن قلقها من مضمون التقرير الأخير للجنائية الدولية، إلاّ أن توصل الخارجية الفلسطينية على لسان الوزير رياض المالكي من أن المدعية العامة للمحكمة الدولية، السيدة فاتو بن سودة، لا تقصد من التقرير أي قرارات أو استنتاجات قانونية، يخفف في الواقع من اللوم الذي يتوازى مع الإعراب عن القلق جراء محتوى التقرير، إذ إن الواقع يشير إلى أن التوازن المشبوه وإغفال المعلومات التي زودت بها فلسطين الجنائية الدولية، يترتب على ذلك «استنتاجات» من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر وربما مبرر على الاستنتاجات النهائية للتقرير النهائي والقرارات النهائية، خاصة أن مضمون القرار المشار إليه توازى مع إزالة لوحات المعرض الفني لرسومات الكاريكاتير، الذي استضافته فلسطين ومنظمة الحق، بهدف نقل معاناة شعبنا وإيصال أصوات الضحايا، من أروقة قاعة اجتماعات الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وإخفائها دون إنذار، فيما يعتبر انتهاكاً للحق في حرية التعبير.
ويبدو بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً، أن المدعية العامة للجنائية الدولية، تأخذ بالاعتبار، وبشكل جدي، التهديدات الأميركية ـ الإسرائيلية المتلاحقة، خاصة التهديد الذي شنه الرئيس الأميركي في نيسان الماضي، من أن أي محاولة من المحكمة الجنائية الدولية لاستهداف الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإنها ـ المحكمة ـ ستتعرض لرد قوي، محذراً من أن أي ملاحقة أو مقاضاة لأي مواطن أميركي، أو إسرائيلي، على خلفية شكاوى تقدم بها فلسطينيون، ضد انتهاكات إسرائيل، سيضع المحكمة أمام عقوبات أميركية سياسية ومالية، ورغم مطالبة السلطة الفلسطينية بعقد جلسة خاصة لجمعية الدول الموقعة على معاهدة المحكمة، لمناقشة تهديدات ترامب وتحذيراته نظراً لتأثيرها المباشر على أدوات العدالة الدولية، إلاّ أن مجلس الأمن لم يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية بهذا الشأن، وأن السلوك المماطل والمؤجل من قبل المحكمة، حول القضايا المرفوعة من الجانب الفلسطيني، يشير إلى حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية، سقطت في الامتحان الفلسطيني، بعدما نجحت في إدانة السياسي البوسني رادوفان كاراديتش، وآخرين مما ارتكبوا جرائم بحق الإنسانية، غير أن الامتحان الحقيقي للمحكمة، هو في الحالة الفلسطينية، نظراً لتعقيداتها من جهة، إضافة إلى تنوع الجرائم التي ترتكب من قبل سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، من عنصرية وحروب وإعدامات خارج القانون، ومذابح ومجازر موثقة من قبل الفلسطينيين ومعظم منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية.
إنه امتحان حقيقي للمحكمة الجنائية الدولية، مؤشرات فشلها أخذت بالظهور من خلال تقريرها الأخير، وعلى المحكمة، إعادة النظر بموقفها والتمسك بما تدعيه من شفافية ومصداقية وهي مطالبة بتأكيد حياديتها وعدم خضوعها للضغوط السياسية والمالية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل!
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"