بقلم/ د. هاني العقاد
ازمة كبيرة في اسرائيل لم تسجل منذ قيام هذا الكيان الغاصب، انها ازمة سلطة بات الكل يسعي ورائها دون ان ينالها بسبب بيروقراطية الكتل الحزبية ,نتنياهو يريد ان يبقي الحاكم الوحيد بإسرائيل بل وامبراطور اسرائيل الجديد ويريد ان تعمل كل الاحزاب حسب اهوائه واجنداته، بيني غانتس لا يريد ان يتشارك مع نتنياهو الا اذا تخلي الاخير عن كتلة اليمين التي شكلها، ليبرمان يريد ان يتفق الطرفان علي حكومة ليبرالية وقد ادي دور الوطني الغيور علي اسرائيل وسمعة الديموقراطية فيها وبالتالي هو صاحب المبادرات الوطنية المنقذة.
أزمة سلطة بكل المقاييس اسبابها التطرف الاسرائيلي واستئثار اليمين بالحكم وادارة البلاد لإبقاء المنطقة متوترة وتمدد الاحتلال من خلال حسم ضم المستوطنات في الضفة وغور الاردن على اعتبار ان اسرائيل تهددها تحديات كبيرة تنذر بزولها عن الخارطة. نتنياهو يصور للإسرائيليين ان ايران ستمحو اسرائيل ان لم يحكم اليمين الاسرائيلي ويبقي هو راس هذا اليمين ,كما ويصور ان الفلسطينيين في غزة والضفة لا يريدوا ان يعيشوا بسلام وهم من يهدد الامن والاستقرار لكل اليهود بالضفة وحواف غزة والقدس , بيني غانتس يتهم نتنياهو بانه غير مكترث بمصلحة اسرائيل ولا مواطنيها وما يهمه هو فقط ذاته لا شيء اكثر لكن لا يختلف معه في موضوع ايران وغزة وسوريا وهو يؤمن بما يؤمن به نتنياهو ويولي الخطة الامريكية في الشرق الاوسط اهتمام كما نتنياهو والتي باتت الولايات المتحدة تطبق شقها السياسي دون انتظار تشكيل لحكومة في إسرائيل ودون انتظار نتائج الانتخابات الثالثة ان حدثت , الازمة في اسرائيل ليست بسيطة ولا يمكن تفكيك تعقيداتها بسهولة فلن يتمكن الإسرائيليين من تشكيل حكومة ما لا يمينة ولا يسار و وسط ولا حكومة وحدة ولا حكومة اقلية ولا حكومة خبراء طالما بقي نتنياهو يتصدر هذا المشهد في انتخابات جديدة وبقية تركيبة الكتل البرلمانية كما هي .
محاولات لإنقاذ اسرائيل من انتخابات ثالثة تجري علي قدم وساق كلها تأتي بصورة مبادرات مرة يقدمها نتنياهو ومرة ليبرمان ومرة رئيس الدولة رؤوفين ريفلين لكن يبدوا ان الامور مستعصية لان العقدة باتت في وجود نتنياهو ذاته علي راس المشهد السياسي والذي هو قدم مبادرة لحكومة وحدة وطنية مع ازرق ابيض يتولى هو رئاستها اولا ويقدم استقالته بعد ستة شهور دون ان يوضح الاعلام مغزي الستة شهور التي يريدها نتنياهو للبقاء في الحكم لكن بتقديري انها الفترة التي يريدها لإنجاز برامج ما تتعلق بملفات الفساد التي تقض مضجعه كل ليلة والملف الاخر هو ما يجري الان بوساطة مصر وقطر والامم المتحدة لإنهاء ملف غزة وعقد اتفاق تهدئة يمهد الطريق لتسوية شاملة مع حركة حماس، كما وان نتنياهو يريد ان يستثمر هذه الشهور بالاستمرار بضرب قواعد ايران في سوريا والعراق ولبنان ليقول انني اعدت الردع والهدوء معا لإسرائيل، واعتقد ان تولي ابيض ازرق اي بيني غانتس بعد ذلك الحكم لن يطول فسرعان ما يتمكن الليكود من نسف الائتلاف والعودة لانتخابات مبكرة يخطط فيها نتنياهو للعودة للمشهد بقوة . الساعات المقبلة حرجة في اسرائيل فأما ان تولد حكومة وحدة وطنية بمزاج يميني او ان تذهب البلاد الي انتخابات ثالثة لا يحبذها أحد لان نتائجها أيضًا لن تمنح أحد القدرة على تشكيل حكومة إسرائيلية ذات اغلبية.
الكل بات مقتنعا ان الازمة ليست في نتائج اي انتخابات لكن الازمة في تركيبة الخارطة الحزبية و التكتلات و بالتالي الذهاب الي انتخابات ثالثة قد يتبعها انتخابات رابعة وخامسة ايضا ان بقي نتنياهو هو اللاعب الاكبر في معادلة الكتل الحزبية والمتنفذ الوحيد في كافة السياسات الداخلية والخارجية وخاصة الامن وان لم يتفق الإسرائيليين علي طريقة جديدة يتفادوا فيها اللجوء لهذه الانتخابات من خلال ما يقترحه بعض الساسة مثل ما اقترح ليبرمان لتشكيل حكومة خبراء او ما يقترحه اريه درعي اليمني لإجراء انتخابات مباشرة لرئاسة الوزراء فقط، يتنافس فيها بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، بدون حل الكنيست ويدعم هذه الفكرة رئيس حزب العمل عامير بيرتس أيضا .لكن في هذا الخضم بدا رئيس الدولة اكثر تشاؤما واتهم كل من نتنياهو وبيني غانتس بالجنون وانهما سيأخذان اسرائيل الي الجنون ذاته، مهما احتدمت الصراعات علي الحكم في اسرائيل الا ان نتنياهو لن يتخلى عن قيادة الليكود والذهاب الي انتخابات ثالثة لأنه بذلك سيحصل علي مدة الشهور السته التي يريدها ليبقي بعيدا عن قفص الاتهام من ناحية ويحقق مما يريد تحقيقه في الملفات السياسية تكون ورقه رابحة بيده في اي معترك انتخابي قادم, الخلاصة ان انتخابات ثالثة في اسرائيل بدون تغير في الكتل والاحزاب الانتخابية ستأتي بنتائج مقاربة للنتائج انتخابات الجولة الثانية وهذا ما يجعلنا نؤكد ان ازمة اسرائيل اليوم ذاهبة الي مزيد من التعقيد لإنهاء ازمة سلطة لن تحلها انتخابات دون تغيرات دراماتيكية وجذرية في تشكيلات الاحزاب الاسرائيلية بل وتفكيك كتلة اليمين وبالتالي سقوط نتنياهو ودخوله القفص، وخروجه من الحياة السياسية .