قائمة الموقع

عن الانتخابات في إسرائيل والقائمة العربية المشتركة

2019-12-12T11:06:00+02:00
القائمة المشتركة

بقلم:  عماد شقور 

أكتب هذه الكلمات قبل أقل من سبع ساعات على انتهاء مرحلة المحطة الأخيرة من محطات محاولة تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة تحظى بثقة الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، في دورته الثانية والعشرين، وهي الكنيست التي انبثقت عن الانتخابات العامة التي جرت يوم السابع عشر من ايلول/سبتمبر الماضي، وذلك بعد أن فشلت الأحزاب الإسرائيلية ايضا في تشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات التي جرت يوم التاسع من آذار/مارس الماضي.

هذه تعقيدات سياسية إسرائيلية داخلية لا سابق لها. وكذلك فان الوصول الى المحطة الثالثة، من محطات تشكيل الحكومة والتي تنتهي بعد ساعات، هو أمر غير مسبوق ايضا. ولمن لا يعرف تفاصيل الاجراءات الخاصة بتشكيل الحكومات في إسرائيل، فانه يمكن تلخيصها على النحو التالي:

ـ بعد الفرز النهائي لصناديق الاقتراع، وتحديد الأعضاء الـ120 في الكنيست الجديدة، يجري رئيس الدولة مشاورات مع مندوبي جميع الأحزاب الممثلة في الكنيست، ويكلِّف أحد الأعضاء بتشكيل حكومة، ويمنحه مدة أربعة أسابيع لتنفيذ ذلك، وما لم ينجح هذا المكلَّف في مهمته خلال هذه المدة، فان له الحق بطلب تمديدها، ولرئيس الدولة الحق في منحه اسبوعين اضافيين.

ـ اذا فشل عضو الكنيست المكلّف في تشكيل حكومة تحظى بغالبية المصوتين من بين أعضاء الكنيست، يحق لرئيس الدولة تكليف عضو آخر من اعضاء الكنيست، بتشكيل حكومة جديدة، ويمنحه لذلك مهلة أربعة اسابيع فقط، (غير قابلة للتمديد).

ـ في حال فشل المكلّف الثاني في مهمة تشكيل حكومة تحظى بغالبية المصوتين من بين اعضاء الكنيست، يبعث رئيس الدولة بكتاب الى رئيس الكنيست يبلغه فيه الطلب الى أعضاء الكنيست بأن يحاول أي واحد منهم، خلال ثلاثة اسابيع، الحصول على تواقيع 61 عضوا لترشيحه لتشكيل الحكومة، (بمعنى حصول المرشح المحتمل الجديد على غالبية اصوات اعضاء الكنيست، وليس على غالبية اصوات من يمنحون الثقة لحكومته، في مقابل من يحجبونها عنها).

ـ في حال فشل هذا المسعى أيضا، تعتبر الكنيست محلولة، ويتم التوافق على تحديد موعد جديد لانتخاب كنيست جديدة، خلال تسعين يوما من حلِّها.

تنتهي المرحلة الثالثة والأخيرة بعد ساعات، كما ذكرت، ويتم الانطلاق نحو انتخابات برلمانية عامة ثالثة في إسرائيل، خلال أقل من أحد عشر شهرا، تكشف عمق التعقيدات السياسية الإسرائيلية الداخلية، وضخامة الاستقطابات هناك، ولكنها تكشف، حتى الآن على الأقل، أن المجتمع الإسرائيلي لم يصل بعد الى مرحلة نشوب حرب أهلية، وإن كان كثير من الكتاب والمفكرين والسياسيين قد كتبوا وأعلنوا تخوفهم الحقيقي من اندلاعها بين التيارات المتنافسة والمتخاصمة، بل وربما المتصارعة ايضا، (بين المتشددين دينيا والمتدينين والعلمانيين والملحدين.. بين اليهود من دول أوروبا والغرب، الأشكنازيين، واليهود من الدول العربية ودول المشرق، السفاراديم.. بين اليسار واليمين.. بين اليهود والأقلية القومية العربية التي تشكل خمس المواطنين أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل). رغم حدّة كل هذه الانقسامات والاستقطابات، فان صناديق الاقتراع هناك، ما زالت هي الفيصل والحَكَم.

صحيح أن كل هذا شؤون إسرائيلية داخلية. لكن لكل شأن إسرائيلي، مهما كان، تأثير مباشر على كل ما له علاقة بفلسطين والشعب الفلسطيني. وحين يكون الموضوع المطروح هو الانتخابات العامة في إسرائيل، والتي ستفرز برلمانا وحكومة وتحدد سياسات إسرائيل على جميع الأصعدة، فإن من الطبيعي والمنطقي أن تحظى هذه بمتابعة واهتمام كل فلسطيني، وليس من باب «العلم بالشيء» فقط، وانما من باب «كيف لنا، كفلسطينيين، أن نؤثر فيها وفي نتائجها» لأنها ستؤثر بالتأكيد على واقعنا.

حتى الى ما قبل ثلاثة عقود كان العمل الفدائي والكفاح المسلح الفلسطيني هو «رأس الحربة»، وهو الرائد بين مجموع أدواتنا، كفلسطينيين، في السعي ومحاولة التأثير في مجمل الأوضاع في إسرائيل، بما في ذلك الانتخابات هناك، وكل إفرازاتها، من تركيبة الكنيست، وتشكيل الحكومة، واعتماد السياسات.

أنجزت الثورة الفلسطينية، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة فتح: بجناحها العسكري، المتمثل بالعمل الفدائي والكفاح المسلح، وبحيوية النشاط السياسي للمنظمة، الكثير من الأهداف التي وضعتها لنفسها، وكان على رأس سلم أولوياتها استثمار الصمود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، (وفي مناطق الـ،48 ايضا)، الى أن انطلقت الانتفاضة المباركة الاولى، التي غيرت موازين القوى داخل البرلمان الإسرائيلي، فأسقطت حكومة اسحق شامير اليمينية، وحمت حكومة اسحق رابين من السقوط، (عندما شكل الأعضاء العرب في الكنيست، بقيادة توفيق زيّاد وعبد الوهاب دراوشة، بالاتفاق والتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، جسما مانعا حال دون تمكين اليمين الإسرائيلي من إسقاطها)، وقاد ذلك إلى تمكينها من اقرار اتفاق أوسلو.

لكن، عندما ارتكب جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي مجزرة قانا في الجنوب اللبناني، وتبنّت الحكومة الإسرائيلية سياسة التصفيات لقيادات وكوادر الفصائل الفلسطينية، عاقب الفلسطينيون الذين يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، رئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيرس، (الذي ورث المنصب من اسحق رابين إثر اغتيال اليمين العنصري المتطرف له)، وتولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية. لكن فترة تولي نتنياهو للمنصب لم تطل اكثر من سنتين. وفي الانتخابات المبكرة التي جرت هناك، (وكانت تشمل في حينها الانتخاب المباشر لمنصب رئيس الحكومة)، كان تصويت الفلسطينيين في إسرائيل هو «بيضة القبّان» التي رجحت كفّة ايهود باراك، واسقطت نتنياهو.

دون الدخول والخوض في تفاصيل اسباب انطلاق ومجريات الانتفاضة الثانية، يمكن القول انها ادت الى تدمير القدرة الفلسطينية على التأثير في الانتخابات الإسرائيلية، بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، وساهمت بشكل فاعل وحاسم، الى جانب عوامل عديدة اخرى، في دفع قطاعات واسعة من المجتمع اليهودي الإسرائيلي الى أحضان اليمين العنصري والفاشي، من اريئيل شارون الى نتنياهو، وأعادت تلك الانتفاضة مجمل الوضع الفلسطيني عشرات السنين الى الوراء. وما نشهده منذ عقد ونصف، من انقسام في الجسم الفلسطيني، ومن انكفاء في دور منظمة التحرير الفلسطينية، فلسطينيا وعربيا ودوليا، هو الدليل القاطع على ذلك.

هكذا خسر «الممثل الشرعي الوحيد» للفلسطينيين دوره الريادي في التأثير في الشأن الإسرائيلي الأهم، شأن تشكيل الحكومة الإسرائيلية، التي تضع وتحدد وترسم سياسات إسرائيل على جميع الأصعدة التي تخصنا، وانتقل دور الريادة في التأثير على الأوضاع والسياسات الإسرائيلية، الى الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يشكلون رأس الرمح الفلسطيني على هذا الصعيد الحاسم، في هذه المرحلة التي نعيشها هذه الأيام.

لا مبرر لاي وطني فلسطيني ان يحزن على انتقال دور الريادة في العمل على التأثير في السياسات الإسرائيلية من قيادة م.ت.ف. الى الأهل في إسرائيل. إنهم الكتلة الفلسطينية الأكثر معرفة ودراية بكل ما له علاقة بإسرائيل وسياساتها.

منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000، ولغاية الانتخابات للكنيست العشرين يوم 17.3.2015، كان التمثيل الفلسطيني في الكنيست هامشيا وضعيفا وغير ذي بال. لكن تشكيل «القائمة العربية المشتركة» في تلك الانتخابات، (وبغض النظر عن الاسباب الحقيقية والمباشرة لتشكيلها)، أعطى زخما غير مسبوق في التأثير على السياسة الإسرائيلية. وبعد «كبوة» التشرذم والانقسام في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين، في آذار/مارس الماضي، عادت القائمة المشتركة للعب دورها المؤثر في انتخابات أيلول/سبتمبر الماضي، وحصلت على 13 مقعدا، واحتلت موقع الكتلة النيابية الثالثة من حيث الحجم، وكانت ستتولى دور قيادة المعارضة، (وهو دور بالغ الأهمية في أي برلمان)، لو تم تشكيل حكومة وحدة في إسرائيل، من الحزبين الأكبر.

على أبواب انتخابات عامة جديدة في إسرائيل، تقف جماهير الفلسطينيين الذين يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، وقفة ثقة بأنفسهم وبقدرتهم على التأثير في مجمل السياسات الإسرائيلية، وترجيح الكفة التي يدعمونها لتشكيل الحكومة المقبلة، وللمشاركة فيها إذا استجدت ظروف ملائمة، او دعمها وحمايتها من خطر اسقاط اليمين العنصري الفاشي لها.

هل ستبقى «القائمة العربية المشتركة» محصورة عند نقطة الـ13 مقعدا في الكنيست؟ ام هناك امكانية للقفز الى نقطة الـ15 مقعدا؟؟.

في اعتقادي أن وضع مسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية، الى بيوتهم واراضيهم وأملاكهم في القرى واحياء المدن التي تم تهجيرهم منها سنة 1948 وبعدها، باجراءات وقوانين عنصرية، (أبرزها قانون «الحاضر الغائب»)، على رأس برنامج القائمة الانتخابي، (وهو الأمر الذي لا تسطيع إسرائيل الادعاء بانه سيسبب اختلالا في ديموغرافية إسرائيل ووجود أغلبية يهودية فيها)، ودون الانتقاص من أي واحد من بنود البرنامج الانتخابي للقائمة المشتركة، كفيل بأن يسهم بشكل فاعل في زيادة عدد مقاعد القائمة المشتركة في الكنيست المقبلة، مع كل ما لذلك من تاثير.

هذا موضوع جدير بالاهتمام والدراسة، وجدير بالرجوع الى تفاصيله وحيثياته في مقال لاحق.

صحيفة القدس العربي 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة