بقلم/ د. هاني العقاد
المتابع لحوارات القاهرة خلال الفترة الاخيرة يستنتج ان شيئا ما يطبخ عل نار هادئة في القدر المصري دون دخان ودون رائحة يستدل منها علي نوع المطبوخ وشكله وطعمه وهذا سبب حدوث حالة تشتت بتوقع النتاج العام للتحرك المصري الاخير فيما إذا ما كان هدنة طويلة الامد او تهدئة ميدانية او تحسين لاتفاق 2014 او تسوية سياسية، الحقيقة تبدو ضبابية حتى اللحظة ولم تكشف عنها اي مصادر سواء عربية او اسرائيلية لان اسرائيل لم تتحدث عنها كثيرا في ظل أزمتها العميقة حول الحكم. ما يبدوا واضحا ان القاهرة تريد ان تسعي لهدنة طويلة الامد تتخللها صفقة تبادل للأسري تسمح بان يستقر قطاع غزة ولا تذهب فيه الامور الي الاسواء لان استقرار القطاع يؤثر ايجابا وسلبا على الامن في سيناء وبالتالي إذا استقر القطاع استطاعت مصر ان تفرض حالة من الاستقرار في سيناء على امتداد مساحتها شمالا وجنوبا. في طريق محاولات القاهرة للتوصل لهدنة طويلة الامد بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل اصطدمت بخلاف ما بين حركة حماس والجهاد الاسلامي ورأت ان تصفية الاجواء بين الحركتين مقدمة لاي اتفاق هدنة حقيقي , هنا يمكننا القول ان وساطة القاهرة نجحت في تسوية الامور بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي علي خلفية عدم مشاركة حماس في المواجهة الاخيرة مع اسرائيل الي جانب الجهاد الاسلامي وهذا عنصر مهم لضمان نجاح القاهرة للتوصل الي صيغة هدنة في القطاع واعتقد ان الامور سارت بشكل ايجابي وهذا ما سمح بعودة مسيرات العودة علي الحدود مع غزة دون خوف من ردة فعل الجهاد الاسلامي .
ما تجهزه مصر ليس له علاقة باي تسوية سياسية او بكيان منفصل او انشاء نظام سياسي في غزة بالمطلق وما يجري الان هو موضوع أمنى بامتياز يقصد منه توفير الاستقرار العام في القطاع فترة طويلة مقابل بعض التسهيلات الحيوية التي ستمنحها اسرائيل لحماس هناك ليس أكثر من ذلك، وهذا لا يبتعد كثيراً عن طموح الجميع في إبرام اتفاق تهدئة شامل بين فصائل المقاومة واسرائيل يستقر فيه قطاع غزة بعد أكثر من 13 عاما من الحصار والتوتر والحروب. الحراك الذي دار في القاهرة لا اعتقد انه يجري بمعزل عن رغبة القيادة الفلسطينية بالضفة لكن دون ان يكون لها ظهور علني بالمشهد لان مرحلة ادماج القيادة في الاتفاق العام ستاتي لاحقا فلا اعتقد ان يكون هناك اتفاق نهائي لهدنة ما دون ان يتحرك ملف المصالحة الفلسطينية والا للحق القاهرة كثير من الانتقادات التي لا تقبل القاهرة بها , لا اعتقد ان مصر يمكن ان تبرمج كل شيء بالمشهد وتساهم في ازالة كافة العوائق لتحقيق هدنة طويلة الامد بين اسرائيل والفصائل دون ان ينتهي هذا الدور في النهاية بتحقيق المصالحة الوطنية والا فان الامر سيكون مثار شكوك كبيرة بان القاهرة تسعي لابرام تسوية سياسية بين اسرائيل وغزة باعتبارها كيان منفصل وهذا يستحيل ان تقبل به القاهرة . كل المؤشرات تدلل ان القاهرة انجزت شيء ما وهذا ما بات واضحا من سماح القاهرة للسيد اسماعيل هنية باجراء جولة خارجية تتضمن زيارة عدة دول منها تركيا وماليزيا وقطر لكن يبدو ان مصر دققت على ان لا يذهب السيد اسماعيل هنية الي إيران على الاقل في الوقت الحاضر بسبب توتر العلاقة بين إيران وبعض الدول العربية وخاصة السعودية على خلفية دعم الحوثين بالسلاح والطائرات المسيرة التي ضربت حقوق النفط ومصفاة التكرير في ارامكو.
الهدنة حاصلة لا محالة لكن المهم هنا ان إسرائيل كيف ستتعامل مع غزة بعد ذلك هل من ضمانات علي احترام هذه الهدنة وعدم استخدامها لتحقيق اهداف سياسية وامنية قد تحرج المقاومة بعد ذلك او تعرض قادتها للتصفية خاصة ان ما عهدناه في مراحل سابقة للتهدئة ان اسرائيل هي من تخترق كل اتفاق يبرم او تفاهمات يتم التوصل اليها وهذا ما يجعلنا نقول لفصائل المقاومة ان اي صيغة هدنة يتم التوصل اليها هي هدنة تكتيكية تريدها اسرائيل ولن تحترمها الا اذا حققت انفصال سياسي و جغرافي بين غزة والضفة وافضت لكيان سياسي وليد في غزة وبالتالي اي تراخ او اي خروج من الخنادق وترك الزناد سيكون ثمنه باهظ.
هدنة وليس تسوية سياسية ما تبرمجها القاهرة لا علاقة لها بعوامل السيادة كالمطار والميناء وما يطرح حول هذا الموضوع هو من قبل اسرائيل فقط لتجسد الانفصال الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة وبالتالي فان كل المباحثات التي تتم في القاهرة هي من خلال دوائر امنية ولا يمكن للقاهرة ان تفعل فعله تكون هي سبب في تصفية القضية الفلسطينية ما يجري اقل من تسوية بكثير واكبر من تهدئة اي هدنة طويلة الامد يتضمنها تسويق حماس عربيا ودوليا كحركة تحرر معترف بها ويتخللها صفقة تبادل بين فصائل المقاومة واسرائيل ولعلنا نؤكد ان القاهرة تعرف ان القيادة الفلسطينية لا تستطيع تحقيق ذلك لان فصائل المقاومة لن تحترم هذا لذا بادرت القاهرة واخذت علي عاتقها ابرام اتفاق هدنة تمتد لسنوات بوساطتها بين حماس واسرائيل, اما التسوية السياسية بملفاتها الكبيرة والرئيسية مسؤولية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهي المخول الوحيد امام الجميع والعالم بالتفاوض عليها وبالتالي تكون القاهرة ضمنت استقرار القطاع وانتقلت بعد ذلك للملف الاكبر بمساعدة دولية وهو انهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية .