بقلم: هاني حبيب
إنها الحرب، محدودة أو واسعة، هي محصلة تداعيات الاغتيال الأميركي لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقي ابو مهدي المهندس. المنطقة برمتها باتت أسيرة حالة انتظار وترقب مع تداول سيناريوهات عديدة تختلف فيما بينها إلا في أن حرباً قادمة لا محالة، والخلاف فقط حول زمانها ومكانها وحجمها وأدواتها.
في ظل حالة الانتظار هذه، تغيب عن اهتمامات الرأي العام الطريقة التي اتخذ بها الرئيس الأميركي ترامب قراره باغتيال سليماني، والتي تعكس ليس فقط رعونته وتنمره، بل وأيضاً شيئاً من الجنون والفصام، فعندما يرى ترامب انه بهذا الاغتيال، إنما يضع حداً لحرب قائمة، بينما في الواقع يمهد من خلال هذا الاغتيال لحرب او حروب جديدة في منطقة تعيش منذ عقود حالة حرب ممتدة، والملاحظ ان ترامب يدرك في الواقع هذه الحقيقة، فحسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة تلفزيونية، ان الوفد السويسري، الذي ترعى بلاده مصالح البلدين إيران وأميركا، نقل الى طهران رسالة حمقاء من قبل الأميركيين، أما فحوى هذه الرسالة فقد كشفها علي فدوي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، عندما قال ان الرسالة تطلب من طهران، ان يكون الرد الإيراني متناسباً، «إذا أردتم الانتقام، انتقموا بشكل متناسب مع ما فعلناه» ومن بين ما يعنيه مضمون هذه الرسالة الغريبة والطلب الأغرب، أن ترامب يخشى من رد فعل إيراني واسع يفتح الباب أمام حرب طويلة واسعة، تكون لها تداعياتها الخطيرة على مستقبله السياسي وهو في بداية حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية، وبقولٍ آخر، فإن تبجحه بأن الاغتيال يهدف الى نهاية حالة الحرب في المنطقة، يتعارض مع تخوفاتهم المنطقية من حرب واسعة لا يمكن السيطرة على نتائجها.
بداية التوترات الأخيرة، كانت مع مقتل موظف أميركي متعاقد اثر هجمة على إحدى القواعد التي يقيم بها جنود اميركيون، من قبل أحد فصائل الحشد الشعبي، والرد الأميركي كان الهجوم على إحدى ثكنات الحشد الشعبي، ما أدى الى مقتل أكثر من ثلاثين وجرح عدد اكبر، أي أن الانتقام الأميركي كان واسعاً، وما كان من الممكن تبريره بأي حال من الأحوال، وعلى الإثر هاجمت جماهير عراقية، معظمها من الحشد الشعبي، مبنى السفارة الأميركية في بغداد، ما أدى الى احتراق إحدى بوابات السفارة قبل ان تنسحب الحشود بأوامر من السلطات الرسمية. مع ذلك، ومرة أخرى، يتم الانتقام باغتيال سليماني، الذي يعتبر إيرانياً الرجل الثاني في بلاده ويحظى بشعبية واسعة فيها، كما في الإقليم، الأمر الذي يتناسب، مرة أخرى، مع حجم الانتقام، فكيف لترامب، ان يطلب من إيران، التروي وان يكون ردها متناسباً اي محدوداً، فرغم فانتازيا هذا الطلب، غير المسبوق في العلاقات الدولية، فإنه يشير الى حالة الجنون التي تنتاب ترامب في اللحظة التي يتخذ بها قراراته المصيرية!
حسب صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فإن القيادات الأمنية الأميركية، عندما عرضت على ترامب في منتجع مار لاغو في فلوريدا قائمة بردود الفعل الأميركية على اقتحام السفارة في بغداد، سارع ترامب الى اختيار اغتيال سليماني، الأمر الذي فاجأ الجميع، وهذا يكذب ما أشار إليه ترامب من أن القرار جاء بنتيجة معلومات حول هجمات يدبرها سليماني ضد المصالح الأميركية، إذ انه لو غاب هذا الخيار عن القائمة التي تم تقديمها له، لما اختار هذا الخيار!!
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابه ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"