بقلم/ د. هاني العقاد
قبل بضع سنوات كانت اسرائيل تستورد الغاز من مصر وكان الغاز يمر من سيناء عبر خط التصدير الذي يضخ الغاز من منطقة العريش الي عسقلان بطول مائة كيلو متر حسب اتفاقية الغاز المصرية الاسرائيلية الموقعة في العام 2005 والقاضية ببيع 1.7 مليار متر مكعب من الغاز المصري سنويا لمدة 20 عاما وحصلت الشركة الاسرائيلية ان ذاك علي اعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من 2005 الي 2008 وحكمت محكمة القضاء الاداري المصرية بين العام 2009 و 2011 بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل ورافق ذلك احتجاج اسرائيلي كبير وطالبت الشركة المستورد بتعويض مالي كبير يقدر بمليار دولار امريكي.
لم تكن هناك فترة طويلة جدا حتى استطاعت اسرائيل ان تجد البديل عن الغاز المصري وبدأت بالتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط الي ان تمكنت من العثور على حقلين للغاز بكميات كبيرة جدا تسمح بتصديره للخارج وبدت الاتفاقية الان معكوسة حيث باتت مصر تستورد الغاز الاسرائيلي من اسرائيل مستخدمتا ذات خط الانابيب القديم الذي أنشأ ابان اتفاقية الغاز المصرية الإسرائيلية 2005. ليس مصر وحدها التي ابرمت اتفاقية مع إسرائيل لشراء الغاز وانما الاردن ولمدة تساوي المدة التي اتفقت فيها اسرائيل مع مصر والمقدرة ب 15 عام وبشروط واحدة مجرد قبولها جريمة بحق التاريخ العربي.
إسرائيل تحولت من مستورد للغاز الي مصدر وهذا امر دراماتيكي بقياس المتغيرات علي مستوي بيع الطاقة بالعالم والغريب ان اسرائيل اصبحت اليوم تبيع الغاز الي الاردن ايضا حيث بدأ قبل اسبوع ضخ تجريبي لصالح شركة الكهرباء الاردنية .كل اتفاق تعقده إسرائيل باعتبارها دولة احتلال لبيع غاز فلسطين هي اتفاقات غير شرعية وعلي الطرف المتعاقد ان يدرك انه يقع تحت طائلة المسؤولية باعتبار ان الغاز يستخرج من اراض مازالت تخضع لصراع سياسي واحتلال بتعريف القانون الدولي واثمان هذا الغاز يستخدم ايضا في تكريس الاحتلال علي الارض وسوف يساهم في مدخولات للخزينة الاسرائيلية بالمليارات طوال فترة التعاقد وهذا في اعتبارات الصراع يقوي الاحتلال الاسرائيلي ويوفر له الامكانيات المالية ليصرف علي احتلاله واستيطانه وتهويدة للأرض الفلسطينية , وبمعني اخر فان انتعاش اسرائيل اقتصاديا يقوي اسرائيل ويجعلها قادرة علي تغير خططها التي كانت تعتمد فيها علي الاخرين اي الولايات المتحدة والتي مازالت الا ان ما يجعلها تتطور لتصبح دولة كبيرة هو بيعها للطاقة للمحيط الجغرافي المجاور وهذا ما ينعكس سلبا علي مستقبل اي حلول سلمية ينتهي معها الصراع الطويل وتتمتع المنطقة بامن واستقرار حقيقيين .
الامر الذي بات مقلقا للغاية ان اسرائيل لها النصيب الاكبر في حقول الغاز (تمار) و(لوثيان) وهي التي بدات بتصدير الغاز لمصر والاردن مع انه بحكم وقوع وامتداد حقل لوثيان قبالة السواحل المصرية مرورا بالمياه الاقليمية الفلسطينية يعني ان لفلسطين ومصر الحق في نسب من الناتج لكن اسرائيل لا تعترف بذلك.
القضية الاهم من هذا كله ان الصراع مع اسرائيل مازال قائماً ولم تتيح اي من الاتفاقيات سواء كامب ديفيد او وادي عربه 1995 لكل من مصر والاردن شراء الغاز لان الغاز مستخرج من ارض فلسطينية ولم يتم حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين هذا من جانب ومن جانب اخر فان اتفاقية أوسلو ايضا لم تتطرق الي الحقوق الفلسطينية في المياه الاقليمية بعد وتركت هذه القضية للحل النهائي ولا اعتقد ان يكون هناك حل نهائي للصراع غير الحل الذي تفرضه اسرائيل الان رغما عن انوفنا جميعا كعرب وفلسطينيين. مهما كانت الظروف لا يحق لكل من الاردن ومصر شراء الغاز وبالتالي يدفع المواطن العربي هناك ثمن الرصاص الذي يقتل الفلسطينيين وثمن البلدوزر الذي يهدم بيوت الامنين وثمن القنابل التي تقصف غزة وسوريا والعراق ولبنان وبالتحديد يدفع بعض تكاليف تصفية القضية الفلسطينية من خلال الاستيطان وضم الضفة الغربية وتهويد القدس وفرض التقسيم الزماني والمكاني علي المقدسات الاسلامية بالقدس وكل الاموال التي سيدفعها الشعب المصري والاردني ثمننا للغاز سوف يستخدمها الاحتلال الاسرائيلي في تغطية تكاليف تنفيذ مخططاته هذه والتي بحسب اعتقادي ستكتمل بنهاية العام 2020 .
مهما كانت الاتفاقيات التي ابرمتها مصر والاردن فلا اعتقد ان شروطهما لصالح الاردن ومصر اؤوكد ان شروط اي هذه الاتفاقيات هي شروط لصالح الاحتلال وهي شروط مزلة تقيد حرية الدولة في شراء الغاز من اي بلد اخر وتلزم الدولة المستوردة بدفع غرامة مالية كبيرة جداً اذا انسحبت من طرف واحد من الاتفاقية تحت اي ظرف كان. ان اتفاقية شراء الغاز من دولة احتلال كإسرائيل كيان غاصب يحتل بلداً عربيا ويرتكب جرائم حرب وابادة وتطهير عرقي بحق اهل هذا البلد ويرفض الاعتراف بحقوقهم السياسية وحقهم في تقرير المصيرهي في حد ذاتها جريمة كبيرة بحق الفلسطينيين وفلسطين وجريمة بحق تاريخ مصر والاردن التاريخ الناصع المشرف والمشارك في الكفاح من اجل انهاء الاحتلال والاستقلال. لعله بات واجبا ان تتوقف كل من الاردن ومصر عن شراء غاز فلسطين من الاحتلال وان تلغي كل الاتفاقيات حتي لو تم ضخ الغاز مجانا للاردن ومصر ويجب اسقاط تلك الاتفاقيات لان اسرائيل ليست البلد الوحيد بالعالم الذي ينتج الغاز وليس اسرائيل البلد الوحيد بالعالم الذي يعطينا غاز بالمجان بل غاز ياتي من ارض عربية اغتصبت وسرقت وهجر اهلها واستوطن اليهود ارضها ومازالوا يهددوا بفرض السيادة الاسرائيلية علي ما تبقي من الارض الفلسطينية بالضفة الغربية وضم غور الاردن وشرق البحر الميت لتقضي بذلك علي اخر ما تبقي من امل لحل الصراع علي اساس تطبيق حل الدولتين .