قائمة الموقع

«صفقة القرن» وأوهام ترامب الفاشلة

2020-01-28T09:50:00+02:00
محمد عايش

بقلم: محمد عايش 

في تاريخ الشعب الفلسطيني بطوله وعرضه، لم ينجح أي اتفاق أو معاهدة، من دون أن يوافق عليها الفلسطينيون، ويقرروا تمريرها، كما لم تنجح أي قوة عربية أو غربية في فرض إرادتها على هذا الشعب، وقد فشل سابقا العديد من مشاريع التسوية والتصفية، التي كان يحاول الإسرائيليون فرضها، ذلك أن الشعب الفلسطيني لم يكن ليقبل ولا في أي مرحلة من تاريخه النضالي أن يكون مفعولاً به، أو مجرد متفرج على ما يجري في بلده.

في عام 1970 وافقت مصر على مبادرة «روجرز» التي كانت أولى مبادرات التسوية بين العرب وإسرائيل، وكانت مصر يومها تحكم العالم العربي بأكمله تقريباً، بفضل الزعيم الحديدي جمال عبد الناصر، الذي كان يعتلي المنبر فيُنصت له العرب من المحيط إلى الخليج، ورغم ذلك فشلت تلك المبادرة بسبب أن الفلسطينيين رفضوها وتمسكوا بالمقاومة.

وفي عام 2000، أي بعد ثلاثين عاماً من تلك المبادرة حوصر الرئيس ياسر عرفات في منتجع «كامب ديفيد» في الولايات المتحدة لمدة أسبوعين، وتم عزله عن العالم الخارجي لممارسة الضغوط عليه، من أجل تمرير صفقة تسوية أمريكية، لكنّ الرجل الذي وقّع قبلها مع الاسرائيليين 13 اتفاقاً رفض أن يوقع على ذلك العرض بسبب أنه يتجاهل الحق الفلسطيني في القدس، ويتجاهل عودة اللاجئين، الذين ما زالوا ينتظرون في المنافي العودة لمدنهم وقراهم. ثمة العديد من الأمثلة عبر تاريخ الصراع على مشاريع تسوية فشلت، بسبب أن الفلسطينيين رفضوها، إذ لا يمكن لسياسة الإملاء والأوامر أن تؤدي الى نجاح أي اتفاق، فضلا عن أن رفض «صفقة القرن» لا يتوقف عند الفلسطينيين، وإنما يمتد الى الأردن أيضا، الذي يعتبر أن ما يريد الرئيس دونالد ترامب طرحه، يشكل نسفا لأساسين تقوم عليهما الدولة الأردنية الهاشمية، الأول هو الوصاية على القدس والمقدسات، والثاني الهوية الأردنية التي بُنيت وتشكلت طوال العقود الماضية، والتي ستتعرض للنسف إذا تخلى العالم عن الاعتراف بحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين. ضمن هذه المعطيات ومع هذه التجارب التاريخية، فإن فرص نجاح «صفقة القرن» تبدو محدودة، ولا يوجد أي إشارات على أن ثمة طرفا فلسطينيا يمكن أن يقبل بهذه الصفقة، خاصة أن واشنطن حيدت القدس أساسا من أي تفاوض، عندما اعترفت بها عاصمة للدولة الإسرائيلية، وسحبت اعترافها بعدد كبير من اللاجئين، عندما أعادت تعريف اللاجئ، وقلصت المساعدات الممنوحة للأونروا، وهذا معناه أن صفقة القرن لا يمكن أن تتضمن ما يحقق الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين.

في المقابل ومع عدم وجود أي شريك فلسطيني لهذه الصفقة، فإن من الواضح أن الأمريكيين والإسرائيليين سوف يعملون على تغيير الأمر الواقع، وفرض إرادتهم بالقوة على الأرض، وهذا ما حدث فعلا بالاعتراف الأمريكي بخصوص القدس، ومن ثم اعتزام الاحتلال الاسرائيلي ضم أراضي غور الأردن، وربما لاحقاً ضم أراض أخرى من الضفة الغربية، بما يُجرد الفلسطينيين، من أي أمل بإقامة دولة مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967. وأمام استخدام سياسة القوة وفرض الأمر الواقع وتغيير الجغرافيا والديموغرافيا في فلسطين، فلم يعد لتمسك بعض الفلسطينيين بالسلطة أي معنى، إذ يتوجب حل السلطة الفلسطينية، والإعلان للعالم بكل وضوح أن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال، وإن هذا الاحتلال انقض على كل الاتفاقات التي وقعها مع منظمة التحرير، وإننا ـ أي السلطة – لن نكون مجرد أداة لتسيير الشؤون المدنية لشعب يعيش تحت الاحتلال، فهذا مشروع مرفوض ولا يمكن أن يكون الهدف المنشود. وقد كشفت جريدة «معاريف» الاسرائيلية بكل وضوح أن الأمريكيين والاسرائيليين يريدون خليفة للرئيس عباس، يمرر هذه الصفقة، وأنهم سوف يكافئون السلطة بخمسين مليار دولار، إذا وافقت، ما يعني أن ترامب يريد أن يشتري الذمم والحقوق بالمال الأمريكي الذي ستدفعه دول الخليج، وهو ما يدفع بالحاح أكثر الى الدعوة لحل السلطة في حال لم يتوقف المشروع الأمريكي، حتى يدفع الإسرائيليون وحدهم ثمن مشروع التسوية المرفوض.

عن صحيفة القدس العربي 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة