بقلم: هاني حبيب
بعد تأجيل متكرر، من المتوقع أن يعلن الرئيس ترامب خطته حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي التي باتت تعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وذلك بعد ساعة من كتابة هذا المقال لدفعه إلى المطبعة، الطابع الاحتفالي الكرنفالي لهذا الإعلان، لن يؤثر عملياً على الادعاء بأنه "تاريخي"، من الصحيح أنه إعلان خطير لكنه بالقطع ليس تاريخياً كما يحاول الثنائي ترامب ـ نتنياهو وصفه، لأسباب انتخابية بالدرجة الأولى، فالجزء الأهم من هذه الصفقة تم إعلانه، حول ملفات القدس وحق العودة والحدود، المؤجلة مع باقي الملفات منذ اتفاق أوسلو. هذا الإعلان هو مجرد رؤية أميركية من قبل إدارة ترامب حول ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ليس مشروع سلام، وليس مقروناً بتنفيذ كل بنوده الا في شأن واحد، والمتعلق بالاحتلال، ثم نقل السفارة الأميركية الى القدس. أوقفت واشنطن دعمها للأونروا وفي نفس الوقت طرحت أفكاراً لإنهاء عمل وتقويض هذه المنظمة الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، ورغم كل مقدرات وتهديدات الإدارة الأميركية، الا انها لم تنجح في ذلك، وعلى العكس، تم تجديد تفويض وكالة الأونروا لثلاث سنوات قادمة، ما يعني من هذا المثال، أن ما يمكن تنفيذه من هذه الخطة أو اي خطة أخرى، من دون اتفاق مع دولة فلسطين لن يُكتب له النجاح.
يُقال إن الخطة تتضمن في جوهر الاعلان عنها، ضم الضفة الغربية، خاصة منطقتي الغور والبحر الميت، هناك عدم دقة في هذا المجال، إذ إن عملية الضم قد تمت بأشكال ومسمّيات مختلفة منذ احتلال الضفة عام 1967، وفقا لما يسمى بمشروع "آلون" الذي كان وزيرا للعمل آنذاك. جوهر هذا المشروع كان ينطوي على عنصرين أساسيين: الأول، يتعلق بوجود ما كان يسمى بالجبهة الشرقية، الأردن والعراق، وضرورة توفير حدود يمكن الدفاع عنها لدولة الاحتلال، والثاني باعتبار منطقة الغور، من أكثر المناطق الزراعية خصوبة، ويمكن زراعتها صيفاً شتاءً، ما يوفر سلة غذاء للإسرائيليين، واحتفاءً بصاحب هذه الخطة، هناك شارع يسمى بشارع آلون ويحمل الرقم 458، منذ ذلك التاريخ كانت عمليات الضم والاستيطان، تتخذ مسمّيات مختلفة وكانت تعلن على استحياء، مع الوقت، ذهبت "الجبهة الشرقية" وعقدت معاهدات واتفاقات بين إسرائيل والأردن وفلسطين ومصر. في ذلك الوقت كانت إسرائيل تروج بأنها تواجه "أخطاراً وجودية" أما الآن، فهي التي باتت تهدد كل المنطقة متفاخرة بتزايد قواها العدوانية وأدواتها الحربية، وتحالفاتها المبطنة مع العديد من الأنظمة العربية. منذ سنوات حكم نتنياهو، أخذت العملية الاستيطانية والضم المتدرج تأخذ أبعاداً علنية متعمّدة، لدواع تتعلق بجوهر الاحتلال أي الاستيطان، وكذلك في سياق الحملات الانتخابية، وهنا من الممكن العودة إلى تقسيمات الضفة الغربية وفقاً لاتفاق أوسلو، المناطق (أ، ب، ج)، هذه المناطق وهمية بامتياز، ذلك ان كلها خضعت طوال الوقت للسيادة الإسرائيلية من الناحية العملية، والاحتلال هو الذي أزال الفوارق اللفظية والعملية من بين هذه المناطق الثلاث. القرارات الأخيرة لبينيت وزير الحرب الجديد، تشير بوضوح إلى أن عملية الضم قائمة على قدم وساق، والفرق هنا، وهو هام الا انه ليس تاريخياً، هو إخضاع المستوطنات للقانون المدني الإسرائيلي بدلاً من مرجعيته لـ "الإدارة المدنية"، وقرارات بينيت المشار اليها تأتي في هذا السياق، قبل وبعد إعلان ترامب بعد ساعة من كتابة هذا المقال.
لن يتم ترجمة أي بند من بنود إعلان ترامب عملياً، الا في الجانب الذي تنفرد فيه دولة الاحتلال بسلطة القرار، باعتبارها مسيطرة واقعياً، أما البنود المتعلقة بالجانب الفلسطيني، فلن يكتب لها النجاح بالتنفيذ، مثل تبادل أراض، او عودة السلطة الى قطاع غزة ونزع سلاح المقاومة، وبينما يعترف ترامب بحاجته الى موافقة فلسطينية لتنفيذ خطته، فإنه ونتنياهو، يحاولان اعتبار الإعلان تاريخياً، بينما هو في الواقع مجرد رؤية أميركية ـ إسرائيلية لإغلاق ملفات الحل النهائي، والشعب الفلسطيني وقيادته بالمرصاد لهذه المحاولات!
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"