بقلم / خالد صادق
باتت العديد من الدول العربية والافريقية على قناعة تامة أن الحل الوحيد لمشاكلها الداخلية وازماتها الاقتصادية يمر عبر الاعتراف بإسرائيل التي تستطيع ان تجند الموقف الامريكي لصالح هذه الدول الفقيرة والتي تعمها الفوضى السياسية والازمات, فالإدارة الامريكية وضعت معياراً ثابتاً للعالم كله وبالأخص منه الدول العربية والافريقية ودول المنطقة, تحكمه علاقة هذه الدول بإسرائيل, فكلما كانت العلاقة قوية كان الرضا الامريكي قوي, وكلما تأثرت العلاقة بالسلب بين أي من هذه الدول مع «اسرائيل», كلما مارست امريكا ضغوطا على هذه الدول, فالحصار الامريكي على ايران والعقوبات التي توقع عليها بسبب معاداتها لإسرائيل, وتصنيف حزب الله كمنظمة «ارهابية» بسبب معادته لإسرائيل, والدول العربية التي تشهد ساحتها الداخلية توترا جاء بسبب التدخل الامريكي في شؤونها الداخلية ومحاولة التأثير على قرار هذه الدول ومعاداتها السياسية لإسرائيل, اليوم اليمن التي تخرج للتضامن مع الشعب الفلسطيني بمظاهرات مليونية تطحنها الحرب طحنا, وسوريا التي كانت تحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية كذلك تطحنها الحرب طحنا, وليبيا التي كانت تناصر الفلسطينيين وتدعمهم ماليا تطحنها الحرب طحنا, اما السودان فكانت تحت الحصار والعقوبات الامريكية بسبب مناصرتها للفلسطينيين, فكان ما كان للسودان, واصبحت السودان تبحث عن حضن اسرائيل.
اللقاء الذي عقده، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان مع رئيس الوزراء الصهيوني المجرم «بنيامين نتنياهو» في أوغندا, جاء استرضاء للإدارة الامريكية كي ترفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب, الغريب ان اللقاء جاء بإلحاح شخصي من برهان للقاء المجرم نتنياهو حسب المصادر الاعلامية العبرية, وبخطوة منفردة لم يطلع عليها ويخطط لها الا هو وبعض العسكريين لحماية ظهره, وفي وقت حساس جدا تمر به القضية الفلسطينية بطرح ما تسمى بصفقة القرن التي تقضي على كل فرص «التسوية السلمية» بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني, وفي وقت صوت فيه وزراء الخارجية العرب بالاجماع على رفض ما تسمى «بصفقة القرن», فهل هذه سياسة ام يمكن ان تصنف خطوة رئيس مجلس السيادة السوداني بانها عشوائية وغير محسوبة النتائج, فهو يعلم جيدا مدى تعاطف الشعب السوداني مع القضية الفلسطينية, والثمن الذي دفعه الشعب لأجل نصرتها والوقوف الى جانبها ودعم الحقوق الفلسطينية, فهذا الموقف لا يعبر أبدا عن الموقف الأصيل والمعروف للشعب السوداني في نصرة القضية الفلسطينية والوقوف لجانبها, والخطوة المفاجئة لبرهان جاءت على غير رغبة الشعب السوداني كما قالت حركة الجهاد الاسلامي في بيان لها «إن هذا اللقاء الآثم يشكل ردة عن الموقف السوداني العروبي الأصيل وعن لاءات الخرطوم الثلاث التي شكلت ولا زالت أحد أهم الثوابت العربية التي تمثل نبض الشعوب العربية وصوتها في رفض التطبيع وتجريم أي علاقة مع العدو الصهيوني» فمن فوض برهان ليتحدث باسم السودانيين.
نتنياهو قال انه تم الاتفاق على بدء تعاون بين السودان واسرائيل والذي سيؤدي لتطبيع العلاقات بين البلدين, فهل هذا ما اراده الشعب السوداني ام انها ارادة برهان . انه منطق القهر والمصالح الشخصية التي تحكم سياسة هؤلاء, هناك فرق كبير وواضح بين ما فعله رجل السودان الوفي المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي ضرب نموذجا يحتذى بعدما تسلّم السلطة أثناء انتفاضة أبريل 1985 بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات سودانية لمرحلة تم التوافق عليها ومن ثم قام بتسليم السلطة للشعب في 1987م دون قطرة دم واحدة لكي ينتخب الشعب حكومتة بإرادة حرة وبانتخابات نزيهة, بينما باع برهان ارادة الشعب ومواقفه المتعاطفة مع القضية الفلسطينية دون ثمن, حتى ان وزارة الخارجية السودانية تبرأت من هذا اللقاء «الفضيحة» بالقول « إن لقاء البرهان مع نتنياهو جاء دون تنسيق مع وزارة الخارجية، مشيرةً إلى أنه تم ترتيبه بعيداً عن الوزارة», فهل سيقبل الشعب السوداني بهذا التقارب مع اسرائيل, وهل سيمضي مخطط التطبيع, وقبل كل ذلك هل تعتقد السودان ان اوضاعها الاقتصادية ستتحسن بعد تمتين علاقتها بإسرائيل, وهل هذا الكيان المسمى اسرائيل حريص على علاقات مع السودان, بالتأكيد لا لأن برهان ألح بشدة كي يقبل نتنياهو لقاءه, اسرائيل لا تريد علاقات ندية مع العرب, تريد عبيداً يخدمونها ويسخرون كل طاقاتهم وامكاناتهم لأجل خدمة اسرائيل وتعزيز امنها واستقرارها, انها خيار يساق له العرب سوقا وهم يجلدون بالسياط, وقد ارتضى بعضهم ان يساق كما العبيد, لكن العرب فيهم احرار كثر لن يقبلوا بذلك.