بقلم: عبد الناصر النجار
وأخيراً فعلها فلسطينيو الداخل، وأثبتوا بشكل قاطع أنهم في اللحظات التي يستشعرون فيها الخطر على مكونهم القومي ووجودهم على أرضهم قادرون على التوحد وقلب المعادلات السياسية الإسرائيلية.
الإثنين الماضي، استنفر الفلسطينيون في الجليل والمثلث والنقب، لإفشال صفقة القرن، مؤكدين أنها لن تمر على قراهم، ولن يتمكن عرابو الصفقة من تحقيق مرادهم.
صناديق الاقتراع كانت شاهدة على الاستنفار غير المسبوق على الرغم من الصعوبات والتعقيدات في الوسط العربي، فعلى سبيل المثال، فإن صناديق الاقتراع وُضعت في مختلف التجمعات اليهودية حتى الهامشية منها، أما في النقب فإن قاطني بعض التجمعات الفلسطينية البدوية كانوا مجبرين على السير أكثر من 50 كيلومتراً للوصول إلى أقرب صندوق. لكنها الإرادة الأقوى من الصعاب، ففي بعض القرى في المثلث، وصلت نسبة التصويت حاجز التسعين بالمائة، وهذا هو صوت الشعب الحقيقي والصادق.
عنصرية نتنياهو انقلبت عليه، وعلى اليمينيين الإسرائيليين الذين شددوا في دعايتهم الانتخابية على التحذير من خطورة العرب، حتى وصل الأمر بنتنياهو في تسجيلاته الصوتية المرسلة إلى الناخبين عبر هواتفهم النقالة إلى القول: إن الأعداء يريدون تدمير دولة إسرائيل وإنه لا مكان لمن يدعم الإرهاب (يقصد العرب) في أي تشكيل حكومي مقبل.
الانفلات اليميني العنصري اعترف به الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين عندما وصف الحملة الانتخابية قائلاً: إنها أقذر حملة انتخابية تشهدها الدولة العبرية.
نشوة النصر «النتنياهوية « لم تدم طويلاً، والقبلات الحارة على منصة جمهور «الليكود» بين نتنياهو وزوجته سارة، المتهمَين بالفساد، لم تكن ذات قيمة بعد انقشاع الأجواء الضبابية، وظهور النتائج النهائية لانتخابات الكنيست، فقد ارتدت ادعاءات نتنياهو بأنه لن يسمح للعرب بتشكيل الحكومة مع غانتس إلى عنقه.. ولعل تصريحات أيمن عودة التي جاءت رداً على نتنياهو أبهرت الجميع، عندما أكد أن القائمة المشتركة هي الحائط الذي سيمنع نتنياهو من الاستمرار في الحكم، وأن العرب بثقلهم سيسقطون العنصرية المتجذرة في إسرائيل، وهو ما حصل.
نتنياهو عاجز اليوم عن كسر الجدار المانع العربي لتشكيل الحكومة القادمة، وهو ما أجمعت عليه الصحافة الإسرائيلية، مؤكدة أن مأزق نتنياهو قد بدأ دون نهاية إيجابية. ولعل الكاريكاتير الذي نشرته «هآرتس» بعد يوم من الانتخابات الذي يظهر نتنياهو صاعداً متعباً على جدار وهو ينظر نحو الرقم 60، المطلوب لتشكيل الحكومة، وفي الأسفل يمسك أيمن عودة بملابسه ويجعله غير قادر على الصعود، لهو دليل على أن العرب ربما لن يكون لهم تمثيل في الحكومة المقبلة ولكنهم الصخرة التي تحطمت عليها أحلام نتنياهو.
إذن فعلها الفلسطينيون في الداخل وتجذروا حول حقوقهم، ونالوا اعترافاً لا غبار عليه بأنهم قوة فاعلة وأساسية وكتلة موحدة في الكنيست قادرة على إحداث تغيير.
في المقابل، فإن قادتنا الجاثمين على رقابنا يصرون على مناكفاتهم التي تعود من جديد كلما أوهمونا زوراً وبهتاناً أن خلافاتهم شارفت على الانتهاء، وأن الانقسام ما هي إلا لحظات ويصبح من الماضي، وأن الوحدة الوطنية هي الطريق الوحيدة القادرة على التصدي للمؤامرات، لنكتشف أن سياسة تقبيل اللحى مؤقتة للخروج من أزمة ما أو للتخلص من مشكلة آنية، وأن الانقسام هو القاعدة وليس الاستثناء.
نقول ذلك بعد الإعلان رسمياً عن وصول «كورونا» إلى فلسطين، مؤكدين أن الإجراءات الوقائية هي من اختصاص الحكومة وليس التنظيمات أو الأحزاب إلا إذا اعتبرت حماس نفسها هي الحكومة وأن القطاع هو دويلتها الخاصة.
الرئاسة أعلنت، مساء الخميس، عن إعلان حالة الطوارئ من خلال مرسوم رئاسي لاحتواء المرض، وكلف المرسوم الحكومة اتخاذ الإجراءات الفورية لمحاصرة المرض الذي يعاني منه العالم. الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات الوقائية وعممتها لنتفاجأ بموقف غريب وشاذ عندما أعلن ناطق باسم حماس أن الإجراءات لن تنفذ في القطاع بذريعة أنه لا توجد إصابات.. ومن قال إن الإصابات مثلاً في كل محافظات الضفة، فهي لا تزال محصورة بمحافظة واحدة. خطورة الموقف الحمساوي أنه ينسف فكرة الوطن الواحد ويصر على جر القطاع إلى الانفصال فعلاً لا قولاً.
القرار الحمساوي فاجأ أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه فأدانوا هذا التصرف الأرعن..
كان على قادة حماس أن يقرؤوا خريطة الموقف الجماهيري وليس التمترس الحزبي، الذي يساهم في نكبة جديدة للشعب الفلسطيني إذا ما استمر الوضع على هذا الحال.
نعم، من حق كل مواطن أن يكون له رأي، ومن حق كل حزب أن يعبر عن مطالبه بشكل حر وديمقراطي.. قد نكون مقتنعين بأن المرسوم الرئاسي وإجراءات الحكومة مبالغ فيها أو تتضمن بعض الإشكاليات، ولكن ليس من حق أي فرد كان أو جماعة أو حزب أن يرفض تنفيذ مرسوم الرئيس وإجراءات الحكومة، إلا إذا كان مقتنعاً بأنه يملك إقطاعية ورثها عن والده، وأنه الحاكم المطلق بأمر الله.
وكالة الغوث أعلنت أنها ستعطل المدارس بناء على المرسوم الرئاسي وتوجيهات الحكومة فماذا ستفعل حماس؟ هل ستجبر معلمي «الأونروا» على الدوام مثلاً.. وحتى المدارس الحكومية كثير من الآباء أعلنوا أنهم لن يرسلوا أبناءهم للمدارس فماذا ستفعل حماس، وماذا إن لم يستجب معلمو الحكومة الذين يتقاضون رواتبهم من السلطة لدعوات حماس؟ أليس هذا موقفاً شائناً يعيدنا عشرات الخطوات للخلف، وإن كانت هذه هي طريقة حماس لمواجهة صفقة العصر فعلى قضيتنا السلام.
الشعب تعب من المناكفات ومن السلطات الوهمية في زمن الاحتلال الاستيطاني.. وأصيب بمرض القرف من هذا الوضع الذي لا مثيل له في تاريخ القضية الفلسطينية.
كفى مناكفات ومنازعات وتقاسم سلطات وهمية، فحتى الوباء أقحمتم فيه الانقسام.. تباً تباً!!
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"