بقلم: رجب أبو سرية
مع الإعلان الرسمي والنهائي لنتائج انتخابات الكنيست الثالث والعشرين اليوم، سيبدأ رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريبلين باستقبال الكتل الثماني الممثلة في الكنيست للوقوف على توصياتها لاسم محدد لتكليفه بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك وفق التقليد المتبع في إسرائيل منذ نشأتها، حيث أن الرئيس عادة ما يقوم بتكليف صاحب الحظ الأوفر القادر على تشكيل الحكومة، والذي سيكون على الأرجح هو بنيامين نتنياهو الذي يتزعم معسكر اليمين الذي فاز بثمانية وخمسين مقعداً برلمانياً، فيما ظفر خصمه بنيامين غانتس بخمسة وخمسين مقعداً، هذا إذا افترضنا جدلاً بأن القائمة العربية ستوصي له، وهذا أمر غير مضمون، ولا كان كذلك بعد الانتخابات السابقة، أو على الأقل ليس مضموناً أن توصي القائمة بكل أعضائها لخصم نتنياهو.
بعد عملية الاقتراع الذي جرى الأسبوع الماضي، احتفل نتنياهو والليكود مبكراً بالنصر، لكن النتائج رغم تفوقه على خصمه أزرق_أبيض بثلاثة مقاعد، ومجمل معسكره على المعسكر الآخر بنفس عدد المقاعد، لم تضمن له الأغلبية، ذلك أن التنافس ومنذ ثلاث جولات خلت، لا يجري بين معسكرين مغلقين، حيث هناك قائمة «إسرائيل بيتنا» خارج المعسكرين، تحدد موقفها تجاههما، على قاعدة أن يخرج كل معسكر من صفوفه كتلة مهمة، اليمين الحريديم بخمسة عشر نائباً، والوسط_اليسار العرب بخمسة عشر نائباً أيضاً.
هكذا يمكن القول بأن الحال بقي على سابق عهده في إسرائيل، من حيث عجز المعسكرين عن تشكيل الحكومة، بل أن الأمر زاد سوءاً هذه المرة، مع تراجع خيار تشكيل حكومة الحزبين، لكن ما هو جديد اليوم مع بدء الاتصالات بين الكتل، هو عرض نتنياهو على عمير بيرتيس زعيم حزب العمل الانضمام إليه، ورفض الأخير للعرض، مقابل طرح شروط افيغدور ليبرمان للمشاركة في أي حكومة قادمة، تلك الشروط المستحيلة على نتنياهو، لأنها تعني تخليه عن الحريديم، في حين قوبلت بموافقة غانتس، ما يعني بأن معسكر الوسط_اليسار نجح في استمالة ليبرمان، لكن تبقى المهمة الصعبة جدا، وهي أن توافق القائمة العربية على التوصية لغانتس مع خطوط سياسية عامة، لا توضح موقفه من قانون القومية الذي أيده ليبرمان، أو موقفه من تنفيذ صفقة العصر، والعلاقة مع الجانب الفلسطيني.
يمكن القول بأن معسكر الوسط_اليسار وزعيمه بيني غانتس قد سارا على طريق درء المساوئ، لاحتواء خيبة أملهم في نتيجة الانتخابات، وما زال ما يجمع معسكر خصوم نتنياهو بما في ذلك ليبرمان والعرب، هو هدف إسقاط نتنياهو شخصياً، فيما نقاط الفراق عديدة خاصة بين العرب وليبرمان، لذا فإن خصوم نتنياهو، على الأغلب سينجحون في منع نتنياهو من تشكيل الحكومة، لكنهم سيفشلون على الأغلب بتشكيل حكومتهم أيضا، بما يرجح بقاء إسرائيل في دوامة الفشل، بما قد يعني الذهاب مجددا لانتخابات رابعة.
لكن بين فترة التداول والتكليف هناك وقت، وأسبوع يفصل بين الأمرين، قد يعني ظهور مفتاح الحل، وهو مثول نتنياهو أمام القضاء، أو أن يلجأ رئيس الدولة، كما قيل بعد يوم الاقتراع مباشرة، إلى تحويل أمر التكليف إلى الكنيست، حيث يمكن تكليف شخص آخر، غير نتنياهو، وتجاوز عقدة المنشار، حيث يمكن لليكود تكليف شخصية أخرى منه، ليمر الأمر، وهذا الأقرب إلى المنطق، ذلك أن تكليف شخصية أخرى، أيا تكن لن يحظى بالأغلبية، ولا تكليف ليبرمان.
الاحتمال الآخر الممكن، وإن كان أقل حظاً، من تكليف شخصية يمينية أخرى غير نتنياهو، هو أن ينجح غانتس في الحصول على توصية ليبرمان والعرب معا، وذلك استنادا إلى موافقته على شروط ليبرمان، التي قد تجبر زعيم الحزب اليميني الليبرالي على التوصية للجنرال المتقاعد، فيما العرب يكون دافعهم للتوصية لغانتس هو شعارهم بإسقاط نتنياهو، كذلك خطوط حكومة غانتس_اليسار_ليبرمان، وإن كانت غير كافية، ولكن قد يكون الهدف هو تشكيل «حكومة إلى حين»، أي لفترة محدودة، يخرج خلالها بنيامين نتنياهو من الحكم، ثم يمكن بعد ذلك إزاء أي موقف لحكومة غانتس_ليبرمان، خاصة تجاه صفقة القرن، أن تتقدم القائمة العربية بمشروع حجب ثقة عن الحكومة.
على أي حال، ما زلنا نقول بأن الشلل الحكومي في إسرائيل، ما هو إلا فرصة لالتقاط الأنفاس بالنسبة للجانب الفلسطيني، حتى يخف الهجوم المتواصل الذي تشنه عليه حكومة اليمين مع إدارة البيت الأبيض منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن هذا الوقت ليس مفتوحاً إلى مالا نهاية، ومن الضروري أن يستغل بإغلاق الشقوق الداخلية بالدرجة الأولى المتمثلة في حالة الانقسام القائمة، ليس فقط لتوحيد جناحي دولة فلسطين، في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، وليس لتحقيق هدف كسر الحصار عن غزة وحسب، بل لتوفير الظرف الأمثل لإطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية والقدس، والتي هي الضمانة الرئيسية لإفشال مخطط الضم ومخطط قطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وما دام الصراع الإقليمي ما زال قائماً، فإن حالة الشد والضغط ستظل قائمة، أي ليس في الأفق، حتى لو تم تشكيل حكومة الجنرالات في إسرائيل، الذهاب إلى حل سياسي لملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، ولا حتى إطلاق عملية التفاوض، لكن في الحقيقة فإن تحول معظم الصراعات الدولية إلى دائرة الاقتصاد، أي تراجع مظاهر الحروب العسكرية لصالح الحروب الاقتصادية، بما في ذلك حرب أميركا وإسرائيل مع إيران، فإن ذلك يعني بأن الحرب على تطلعات الشعب الفلسطيني، ستأخذ هذا المنحى على الأرجح، لذا فان «تحرير غزة» من الحصار، ومراكمة تحقيق النجاحات في الضفة الغربية على طريق الفكاك الاقتصادي، سيعتبر فعلاً بالاتجاه الصحيح، ذلك أنه لا يمكننا الاستمرار في حالة الجدل حول أيهما أولا تحقيق الاستقلال السياسي أم الاستقلال الاقتصادي، أيهما أولاً، مع العلم بأن الاستقلال السياسي دون تحقيق الاستقلال الاقتصادي ما هو إلا ضرب من التضليل، كذلك تحقيق الاستقلال الاقتصادي والبقاء تحت الاحتلال العسكري، يعني العبث والوهم، لكن وضع دولة جديدة على خارطة الإقليم والعالم، يتطلب أن تكون بشروط العصر ومعادلاته، وإلا فإنها لن تنجح، وستكون محاولة «دون كيشوتية» لا أكثر ولا أقل.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"