يبدو أن من أراد أن تصبح "الفتنة السياسية الداخلية" هي سيدة الموقف، قد بدء فعلا في تحقيق أهدافه، وبسرعة تفوق كل التقديرات الممكنة، وذلك لسحب النقاش من مواجهة الاحتلال ومشاريعه التي لم تعد خفية على طفل فلسطيني، الى الانشغال فيما هو شأن خاص، وكي لا يخرج شيوخ أو سدنة تمرير مخطط الفتنة للقول أن صلاح الحال الداخلي هو جزء من صلاح الحال لمواجهة المحتل، فتلك ليس سوى كلمة حق كلها باطل في باطل ..
المؤامرة تبدأ بالغاء الإطار الوطني واستبداله بخلية لا تفكر ابعد من مصالحها الخاصة، وأن تصبح هي صاحبة الحل والربط في المصير الوطني، تحدد له ما يجب ولا يجب، ولكي يتحقق لها ذلك فلا بد من كسر كل ثوابت العمل الوطني، اطرا ومواقف وثوابت عمل، ولذا فكل الأساليب باتت "مشروعة" لتلك الفرقة التي تسابق الزمن لتدمير النسيج الفلسطيني السياسي - الوطني قبل أن يسرقهم الوقت وتذهب ريحهم..
وبعيدا عن هزلية الابعاد الجماعي عن الوطن لكل من لا ترى به فرقة التدمير السياسي أنه "مواطن صالح"، يقبل ما يملى عليه، ويعلن أمام الله والشعب والحاكم بأمره، أنه لا يسمع ولا يرى ولا يتحدث سوى ما تراه تلك الفرقة، ولأن الخطر بات محدقا في انهيار كارثي للمسألة الفلسطينية، نتيجة استبدال أجندة الوطن بأجندة فرقة خاصة، لم يعد مسموحا الصمت على أن نسمع كلاما خارجا عن حساب أو تقدير بما سيكون نتيجته ومصيره..
ومثالا على بداية الكارثة السياسية الكبرى، ان يخرج الناطق الرسمي باسم حركة فتح، وهي شريك حماس الرسمي وراعي اتفاق أو بالأدق بيان الشاطئ لتشكيل ما يسمى قهرا سياسيا بـ"حكومة التوافق الوطني"، رغم اكتشافنا لاحقا ووفقا لتصريحات وزيرها الأول د.رامي، انها أمليت عليه املاءا بحراسة من جهات "أمنية سيادية"، الناطق باسم فتح خرج ليعلن أن "حماس هي داعش وداعش هي حماس"..
هكذا بكل سهولة وسلاسة لغوية وسجع لا بعده سجع يمكنه أن يطرب كل من أعداء شعب فلسطين، ويفتح لهم "طاقة الفرج" لوضع نهاية اعتبرها نتنياهو ذريعة لتوقف المفاوضات..فتصريحات الناطق باسم فتح، تعني نهاية عملية لاي شكل في التواصل مع حماس، وقبلها فك كل ارتباط بها، وبالتأكيد يشمل ذلك الغاء بيان الشاطئ وقبله كل اتفاقات المصالحة الوطنية التي تم توقيعها، قبل أن تصبح حماس داعشية..
كلام فتح، الذي لم يعترض عليه لا رئيس حركة فتح محمود عباس وهو قد تحدث مطولا يوم أمس، ولا مسؤول ملف "المصالحة سابقا" في قيادة فتح بل لم يقف أمام التصريح لتصويبه اي مسؤول فتحاوي ولو من باب التوضيح السياسي كي لا تذهب ريحنا الى جهنم السياسية..مفترضين أنه قد يكون قال ما قال جريا وراء الإنفعال فوجب التوضيح، لكن الطامة الكبرى أن قيادة فتح ورئيسها صمتوا فوافقوا..
وعليه، هل تدرك قيادة فتح مغزى ذلك التصريح، وما هي مخطاره أو آثاره السياسية الوطنية، وكل ما يمكن أن ينتج عن تلك اللعبة اللغوية التي يبدو أن البعض بات يستحليها فيقول ما يقول بلا حسيب او رقيب، وكأن سوق عطاظ السياسي اعيد احياؤه في "بقايا الوطن" الفلسطيني!
حماس هي داعش تعني أولا وقبل كل شيء أن يصدر الرئيس محمود عباس مرسوما فوريا، وقبل أن ينام عصرا، بأن حركة حماس حركة ممنوعة ومحظورة وارهابية، ولن يسمح لها بالعمل والتواجد في أي مؤسسة فلسطينية، ووجب ملاحقتها واعتقال كل من ينتسب لها، في الضفة والقطاع والقدس..
وعليه يشير المرسوم الى الغاء المجلس التشريعي واعتباره باطل بحكم أن غالبية الأعضاء به من "تنظيم ارهابي داعشي تفكيري" لن يسمح لهم البقاء في مؤسسة وطنية..
ويكمل بالغاء كل الاتفاقات التي تم توقيعها معها بحسن نية وطنية وقبل أن تتحول الى حركة ارهابية تكفيرية وجزء من الارهاب الداعشي..ويطال تلك العقوبات كل من يتعاون معها أو يدافع عن حقها أو تربطه بها ومؤسساتها الداعشية أي صلة..فداعش لا مكان لها ولن يسمح لها أن تكون!
ولأن ملاحقة تنظيم داعش الجديدة - حماس سابقا- في الضفة وحولها يمكن مطاردته أمنيا، وقطع كل الطرق عليه ومنعه من التنفس بفضل الجبروت الأمني الفلسطيني الساهر على حماية الوطن المواطن، فإن الرئيس يعلن استناد لتلك المقولة الداعشية، أن قطاع غزة بات منذ الآن "اقليميا متمردا"، وجب ايجاد السبل لتحريره، والى حين ذلك والخلاص من الارهابيين الجدد، حماس سابقا، سيتم وقف كل أشكال التواصل مع القطاع ووقف العمل باعادة اعمار القطاع، ومطالبة كل القوى الوطنية في قطاع غزة العمل على اسقاط حكم "داعش"، وأن الوزارات جميعها باتت خارج الشرعية الفلسطينية، ويعلن عن تشكيل "مجلس قيادة تحرير قطاع غزة من داعش الجديدة"، ترتبط مباشرة بالرئاسة الفلسطينية نظرا لضعف الهيكل السياسي الفلسطيني، وعجر القيادة الرسمية استيعاب التطورات لكبر سنها ولعجز وعيها عن ادراك تلك التطورات التاريخية!..
وقد يتطلب ازاحة داعش الجديدة في قطاع غزة أيضا، الاستعانة بـ"صديق" لتسريع التخلص من "الداعشيين الجدد"، وليس مهما هوية وجنسية "الصديق"، خاصة وأن هناك تحالف دولي لمحاربة داعش، يمكن ان يعلن الرئيس عباس انضمام "دولة السلطة" الى ذلك التحالف الدولي باعتبار داعش اصبحت في فلسطين..
كثير هو المطلوب لاجتثاث "داعش الجديدة حماس سابقا"، فهل ذلك ما تريده الآن حركة فتح، وهل حقا تستطيع، وهل يمكن أن يشاركها فصيل فلسطيني في تلك "الحرب الوهمية العجيبة"..
اي مصيبة تريد فرقة تحضير الكارثة أن تحل بفلسطين الوطن والقضية والشعب..هل هناك من يطالب بسرعة اشعال النار الداخلية كشرط ضروري لتحقيق أهداف غير معلنة..هل ما يحدث هو سيناريو متفق عليه لمشاريع يتم الاعداد لها من وراء ممثلي الشعب الفلسطيني..منظمة التحرير ومؤسساته الوطنية، التي باتت مغيبة كليا حتى عن اللقاء..
داعش الحقيقية هي تلك التي يحضرها نتنياهو ومشروعه وما تقوم بها أمريكا من اعداد مشروع تصفية فلسطين وفقا لركائز دولة الكيان لسلام يبحث تصفة قضية شعب وهوية وطن..تلك هي داعش الحقيقية التي يجب أن يتم اقتلاعها،، وكل انحراف عنها ليس سوى تقديم خدمات لها ومن يقوم بها هو جزء منها..
داعش هي دولة الكيان ومشروع امريكا الجديد الذي يطبخ في نيويورك..هل يعي من يتجاهل الحق السياسي ويبحث عن باطل سياسي!
فلا غرابة الآن ان تستخدم دولة الكيان تصريح ناطقها ليتم وقف كل مواد اعمار القطاع بشحتها وهزالتها، رغم أن البعض قد يرى غير ذلك نظرا لوجود "مافيا فساد" لها مصلحة باستمرار ادخال بعضها لسرقة ما يمكن سرقته وسط مراقبة هيئات مكافحة الفساد الشفافة جدا!
نتمنى من حركة فتح التاريخ والمسؤولية ان تسحب ذلك التصريح وتعتبره كأنه لم يكن، مع اعتذار عن أنه كان انفعاليا لا أكثر..ففتح "أم الولد" وليس مرضعته، وقبل فوات الآوان، ولكي لا يقال يوما في التاريخ أن حركة فتح شاركت في مؤامرة الخلاص من قطاع غزة، كما تمنى يوما اسحق رابين!