بقلم / أحمد المدلل
نتحدث عن الطفل الذي ولد فى رحلة الضياع والتشرد، وفي المهاجر والكهوف والصحاري والجبال والخيام وعلى قطعة شاطئ المتوسط من رأس الناقورة حتى رفح.
طفلٌ يموت من الصقيع أو من الجوع أو من أمراض الكوليرا والحصبة وغيرها التي تفشت في لحظات الهجرة الحزينة داخل الخيام فى صحراء سيناء.. وما سمعناه من آبائنا وأجدادنا حول قصص العائلات التي هربت وقت الحصيدة من هجوم عصابات "الأرجون" و"الهاجاناه" و"الاشتيرن" الصهيونية المتوحشة ولم تستطع أن تعود إلى الديار لتحمل أطفالها هرباً من الموت المحقق.
صور الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا مع أمهاتهم وقد بقرت بطونهن وانتزعت منها الأجنة في دير ياسين وقبية وغيرها من القرى الفلسطينية المنكوبة وفي صبرا وشاتيلا وغيرهما من مخيمات اللجوء والشتات الذين ذبحوا من الوريد إلى الوريد مع آبائهم وأمهاتهم ... صور لا تزال شاهدة من صفحات التاريخ الفلسطيني الحزين.. هذا هو الطفل الفلسطيني ما بين موت القهر والجوع والتشرد والمرض أو القتل الصهيوني المستمر منذ النكبة الأولى عام ١٩٤٨ وإلى يومنا هذا دون احساس أو شفقة أو مراعاة لبراءة الطفولة.
يولد الطفل الفلسطيني فى أيام منع التجول الطويلة، وساعات الخوف تحت أزيز الرصاص، وقصف الطائرات وقذائف الدبابات الهادرة، والصواريخ المدمرة، وأطفال يولدون على حواجز القهر الصهيونية التي تقطع أوصال المدن والقرى الفلسطينية.. يقتل الطفل الفلسطينى بدم بارد ويحرقه المستوطنون الصهاينة، وينكل به ويضرب بالأقدام وأعقاب البنادق ويتم اعتقاله وينتزع من حضن أمه وأبيه.. في كثير من الأحيان يقتل وهو ذاهب إلى مدرسته أو عائد منها.. ومن أطفال فلسطين من اقتنصهم الجندي الصهيوني وهو جالس على كرسيه في صفه بالمدرسة.. وكثير منهم يقتل في الانتفاضات بحجة أنهم يلقون الحجارة التي لا يستطيع أن يتجاوز بها سنتيمترات قليلة تجاه جندي مدجج بالسلاح فيعمد إلى قتله أو اعتقاله ... وبكل وقاحة يعرض العدو الصهيوني أساليب التعذيب والضغط النفسي الذى يمارسه ضد الطفل الفلسطيني فى زنازين التحقيق على مسمع ومشهد العالم كله.
مئات الأطفال الفلسطينيين معتقلون داخل السجون الصهيونية انتزعوا من بين أحضان آبائهم وأمهاتهم.. هذا هو الزمن الذي عاشه الطفل الفلسطينى.. والهم يلازمه فى كل مراحل حياته.. لم يذق حلاوة الطفولة ولا براءتها فقد قتلها الاحتلال الصهيوني في مهدها.
يمضي الطفل الفلسطينى حاملا هم شعبه وصنوفاً من البؤس والشقاء والعذابات الطويلة، ولم تتوقف حياته.. ولأنه الطفل الفلسطيني الذي يكبر قبل أوانه على قصص الآباء والأجداد الحزينة يتسلم مفاتيح العودة وقواشين الأراضي التي سلبت منهم قبل اثنين وسبعين عاماً، ويمضى بهمة الأبطال الذين يسمع حكاياتهم ليعود إلى الارض التي احتلت واثقاً بالنصر .. في كل الحروب التي شنت على الشعب الفلسطيني، وفي الانتفاضات، ومسيرات العودة، وقصف البيوت كان بنك أهداف العدو الصهيوني الأطفال والنساء، ولعله بعد القصف الذي استهدف أطفال عائلة أبي ملحوس (السواركة) يوم 14/11/2019 فى مدينة دير البلح أجرت وسائل الإعلام المحلية والعالمية لقاءً مع طفل من أبناء الجيران كان يلعب مع أطفال تلك العائلة قبل القصف بساعات قليلة وقد اهتزت كل منطقة دير البلح، اجرت لقاء معه أضحك وأبكى العالم كله ليختصر حكاية الطفل الفلسطيني الذي ولد من رحم المعاناة التى لم تنته..
يخوض الطفل الفلسطيني الميادين كلها بعقله وكده وعرقه ودمه.. يبدع فى كل المجالات.. وفي ساحات القتال يحمل روحه على كفه يردد أهازيج جدته. "يا حج أمين اوعى دنيها .. الصخرة والحرم لا تفرط فيها".. هذا هو الطفل الفلسطيني الذي سمع صراخه العالم كله ولا يزال يردد (فلسطين أرضي ما أفرط فيها).