قائمة الموقع

ضغوطات مكشوفة وخفية أدّت إلى إنهيار غانتس

2020-04-11T09:00:00+03:00
غانتس.JPG

بقلم: جاك خزمو

قام الجنرال المتقاعد بيني غانتس، رئيس حزب "أزرق ـــ أبيض" ورئيس المعسكر المنافس والمناوئ لنتنياهو، بتفجير قنبلة سياسية أدت شظاياها إلى إصابة شخصية غانتس العسكرية ومستقبله السياسي، وشعبيته الجماهيرية بجروح سياسية كبيرة، وذلك عندما أعلن قبل أسبوعين تنازله عن مبادئه وشعاراته الانتخابية التي كانت واضحة كل الوضوح بأنه لن يشارك في أي حكومة وحدة وطنية بزعامة نتنياهو، لأن يديه متورطتان بملفات فساد كبيرة يمثُل بسببها أمام المحكمة المركزية الإسرائيلية، ولكنه استسلم لنتنياهو ووافق على أن يكون تحت إمرته خاضعاً لضغوطات عديدة داخلية وخارجية، منها المكشوفة ومنها المخفية.

الضغوطات الداخلية تمثلت أولاً بقيام عضو الكنيست في حزب "غيشر"، أورلي ليفي، بالانسحاب من المعسكر المناوئ لنتنياهو والانضمام إلى حزب الليكود، وبالتالي حصل غانتس على تأييد 61 عضو كنيست لتكليفه من قبل رئيس الدولة بتشكيل حكومة جديدة. والضغط الآخر عليه جاء من قبل عضوَيْ الكنيست زاوهر وهندل اللذين ينتميان لحزب "أزرق ـــ أبيض" عندما أعلنا أنهما لم يصوتا لصالح حكومة ضيقة تعتمد على دعم من القائمة العربية المشتركة، مع أنهما يؤيدان إطاحة نتنياهو، وبالتالي تشكيل حكومة وحدة وطنية. وأيّد الاثنان تقديم اقتراح مشروع قانون على الكنيست ينص على منع أي مسؤول من الحصول على تكليف لتشكيل حكومة أو تولي منصب وزير إذا كانت هناك لوائح اتهام مقدمة ضده. لكن غانتس ماطل ولم يمض في تقديم هذا القانون، وذلك لأن معلومات سرية وردت إليه تفيد بأن هناك أعضاء من داخل حزبه "أزرق ـــ أبيض"، ومن رئيس حزب العمل عمير بيرتس قد لا يصوتون لمثل هذا المشروع لأن لديهم علاقات قوية وسرية مع نتنياهو ومع أعضاء في حزب الليكود.

من هنا، ومع شعور غانتس بأنه لا يستطيع تشكيل حكومة ضيقة، وكذلك لا يستطيع تمرير مشروع قانون يطيح بنتنياهو، أخذ بالتفكير بالخروج من هذا المأزق الذي يتمثل في أنه فشل في ثلاث جولات انتخابات متتالية خلال عام، ولم يستطع إطاحة نتنياهو كما وعد، ولم يستطع تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حتى ضيقة، وهذا أدى إلى تململ من قيادته، وقد يؤدي ذلك إلى استقالته، أو انسحاب أعضاء في حزبه "أزرق ـــ أبيض" لرفضهم استمرار قيادته لهذا الحزب.

أما الضغط الداخلي المكشوف فقد جاء من حزب الليكود ومن المعسكر اليميني الداعم له، إذ إن هذا المعسكر يدعم نتنياهو بقوة كبيرة، ومتمسك به، ولن ينشق أحد عنه. كما أن نتنياهو استخدم لغة تجمع بين التهديد والترهيب. فمن ناحية التهديد، فقد أكد أنه لن يشكل حكومة ضيقة رغم أنه يستطيع ذلك، وأنه يفضل أن تجري انتخابات رابعة بعد ستة شهور، فيبقى بذلك رئيساً للوزراء خلال هذه الفترة وربما لأكثر من ذلك، وأن حزب الليكود سيشن حملة انتخابية قوية ضده ويتهمه أيضاً بالفساد، حتى وإن كان بريئاً، عندما كان رئيساً لشركة اتهم بعض المتنفذين فيها بالفساد.

وأما الترغيب فجاء باستعداد نتنياهو لتبادل منصب رئيس الوزراء بعد عام ونصف العام، وأنه سيمنح غانتس وحزبه مناصب حكومية رفيعة مثل، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، وزير الدفاع، ووزير العدل، إضافة إلى نواب للوزراء. وقد أثرت عليه هذه العروض المغرية فأعلن استسلامه بسرعة البرق.

وإضافة إلى الضغوطات الداخلية، فإن الإدارة الأميركية مارست ضغطاً كبيراً على غانتس بعد ظهور نتائج الانتخابات وحصوله على تكليف رسمي بتشكيل حكومة جديدة. وتمثلت تلك الضغوطات في أن الإدارة الأميركية ذكرته بأنه قطع وعداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مشاركته في حفل إعلان صفقة القرن، بأنه لن يعارض هذه الصفقة، وسيطبق ما هو مفيد منها لصالح إسرائيل وأمنها. وأكد هذا الوعد عندما عاد إلى إسرائيل وأعلن أن القائمة العربية المشتركة لن تكون في أي حكومة يشكلها. وهذا التصريح الذي جاء قبل الانتخابات أثار موجة من ردود فعل قوية. وقد ألمحت الإدارة الأميركية لغانتس بصورة واضحة أنه إذا شكل حكومة ضيقة بدعم من القائمة العربية المشتركة التي تعارض "صفقة القرن"، فإن التعاون الأميركي مع هذه الحكومة سيكون فاتراً إلى حد كبير، ولربما قد تكون هناك أزمة سياسية. وأكدت هذه الإدارة على أن الرئيس ترامب يدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن نتنياهو صديق لترامب وقائد شجاع، وأن ترامب بحاجة إليه للحصول على دعم وتأييد اللوبي الصهيوني الأميركي الفعال في حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية والتي ستجري بعد أقل من سبعة أشهر.

انطلاقاً من هذه الأجواء الضاغطة على غانتس، قرر الاستسلام تحت ذريعة أنه يتحمل مسؤولية قومية في رص الصفوف لمواجهة جائحة كورونا، وفي ذات الوقت ينقذ نفسه من مصير سياسي كالذي تعرض له قادة عسكريون سابقون أمثال باراك وموفاز.

بقيت الإشارة إلى أن الحزبين المتنافسيْن على رئاسة الحكومة لا يختلفان حول مسيرة السلام أو حول كيفية مواجهة جائحة كورونا، بل يختلفان على مصالح شخصية وليس مصالح إسرائيل المستقبلية.

عن صحيفة الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة