بقلم / عمر حلمي الغول
إجتاحت جائحة الكورونا شعوب الأرض قاطبة دون إستثناء تقريبا. ولم يستثنِ الوباء العالمي دولة أو شعبا أو نخبة سياسية أو مالية، ولا جنسا أو دينا أو عرقا من بني الإنسان. بل كان الإنسان كإنسان، هو الهدف المباشر لفايروس "كوفيد 19". وتمكن من اخترق كل الحدود والأجواء والبحار والمحيطات، ولم تمنعه لا الجيوش، ولا الطائرات، ولا الصواريخ، ولا الأقمار الصناعية. لا بل انه (الفايروس) قَّزم دور الأسحلة التقليدية والنووية، وأفقد الهاي تيك مكانته في الثورة ما بعد الصناعية، وأظهر العالم بكل مكوناته وبالتحديد اباطرة المال وخاصة عائلات روتشيلد وروكفلر ومورغان اليهودية الصهيونية، والحكومة العالمية التي يديرونها، ويحددون من خلالها الأجندة السياسية والإقتصادية والثقافية والفنية والدينية كم هم ضعفاء، فاقدوا الحول والقوة أمام الفايروس غير المرئي، رغم انه من إنتاجهم، وجزءا من مخططهم لتدمير أعدائهم وخاصة العدو الصيني. لكن جريمتهم وحربهم إرتدت عليهم، وافقدهم (الفايروس) السيطرة، حتى ان مهرجهم في البيت الأربيض، إضطر للإعتراف بأن أميركا تواجه كارثة حقيقية. وبعد ان كان سيتخذ قراره الأهم في تاريخ حياته، بإعادة الحياة لطبيعتها في الولايات المتحدة، تراجع امام هول الكارثة الكورونية.
ما تقدم، كان بمثابة التمهيد لما ساعرضه الآن، وهو ان دولة إسرائيل الصهيونية، التي إدعت قبل قيامها من خلال منظري الحركة الصهيونية الرجعية، ووفق تعاليم التوراة، التي إستخدموها لإغراض إستعمارية، ان اتباع الديانة اليهودية، هم "شعب الله المختار"، وان هذة المجموعة البشرية "حباها الله من دون البشر بنعمة الرفعة، والتسيد على بني الإنسان، وان الله كفيل بحمايتهم وإنقاذهم من كل الشرور". مع ان المتابع لحركة التاريخ القديم والوسيط والحديث يشهد أن الله إبتلى اتباع الديانة اليهودية بعظيم الشرور، والحروب، والتيه في الصحراء، وانزل الله غضبه عليهم في كل حقبة من التاريخ البشري. وهو ما يشير إلى ان "شعب الله المختار"، ليس مختارا، ولا هو بالأساس شعبا، هم اسوة ببني الإنسان اتباع الديانات السماوية والعقائد والنظريات الفكرية الوضعية ينتمون لإعراق مختلفة. والدليل ما نعيشه هذة الأيام، حيث تتفشى الكورونا في اوساط سكان دولة إسرائيل عموما، والمدن التي يقطنها الحريديم خصوصا، كمدينة بني براك، وحيث يتواجد المتدينون اليهود في اي تجمع سكاني. اي ان الله جل جلاله يسلط غضبه على اولئك مروجوا "شعب الله المختار".
حاول بعض التكفيريين الصهاينة من حاخامات الصهيونية تبرير ذلك، بأنه "غضب الله على القيادة الإسرائيلية، التي لم تبطش اكثر بالشعب العربي الفلسطيني، ولم تضم كل فلسطين التاريخية حتى الآن؟! وهو ما يكشف بؤس وإفلاس معتقداتهم واساطيرهم المهووسة، وبذات الوقت، يعريهم امام الله والعباد والعالم. وتناسى أولئك القتلة، ان الدرس والعبرة من الجائحة الخطيرة، هي جنوحهم نحو الشر والإرهاب والقتل ورفض السلام. وبالتالي على قادة إسرائيل الإستعمارية وحاخاماتهم الإرهابية أن يستخلصوا ومعهم الإفنجليكان وعلى رأسهم ترامب وإدارته، ان الكورونا لا تميز بين دين ودين، وبين رجل وإمرأة، ولا بين غني وفقير، ولا بين عرق وآخر، ولا حاكم ومحكوم، الكل سواسية، وجزء من المعركة البشرية ضد الجائحة العالمية الخطيرة، لإنها تهدد الحضارة الكونية برمتها.
وأضف لذلك، ان دولة الإستعمار الإسرائيلية لولا الجيش الأبيض الفلسطيني العربي من ابناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، الذي يشكل أكثر من 30% من مجموع الطواقم الطبية (اطباء وممرضين وصيادلة) لما تمكنت من مواجهة الوباء بالشاكلة القائمة الآن. والفضل كل الفضل لهؤلاء الجنود والضباط حاملوا راية الإنسانية والسلام دون ادنى تمييز، ولم يتعاملوا مع عنصرية نتنياهو بذات الطريقة، وكان ومازال كل همهم إنقاذ الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده وهويته وموقعه. هؤلاء رواد الحرية والسلام، الذين ارسلهم الله جنودا لإنقاذ اتباع الديانة اليهودية من الوباء. هل أدرك نتنياهو وزمرته الفاشية دلالة ذلك؟ وهل يتعلم الرئيس ترامب من هذة المحنة البشرية، ويعود إلى رشده، ويكف عن غطرسته وجنوحه نحو الشر، والتوقف عن استنساخ وإستحضار الأساطير والخزعبلات، ويعمل من اجل السلام في العالم كله، وفي فلسطين خصوصا؟
النتيجة لا شعب مختار عند الله. وكل الشعوب عند الله لها ذات المكانة والقيمة، وما يميز إنسان عن آخر، هو محبته للسلام والعدل والحرية وخدمة البشرية، وصيانة السلم والأمن في المعمورة لإثراء الحضارة البشرية بعالم متساو، لا فرق بين دولة وأخرى، ولا بين شعب وآخر. الكورونا قالت كلمتها كل الشعوب سواء كأسنان المشط.