قائمة الموقع

من دروس وباء كورونا

2020-04-27T09:38:00+03:00
قلم

بقلم / حماد صبح

قريبا أو بعيدا سيزول وباء كورونا . هذه سنة الله _ عز قدره _ في الكون . وبدأت فعلا بعض الدول تخفف من إجراءات الحماية منه إما اطمئنانا لقرب انحساره فيها ، أو استشعارا لخطورة ديمومة هذه الإجراءات اقتصاديا واجتماعيا . ولكل تجربة دروسها في حياة الأفراد والمجتمعات ، ومن دروس وباء كورونا الذي ناهز الآن شهره الخامس منذ بدئه في ووهان في الصين في ديسمبر السالف :

أولا : الدول السيئة والعدوانية واصلت فيه سوءها وعدوانيتها ، والدول الطيبة المسالمة واصلت فيه طيبتها وسلميتها ، وليس هذا فحسب ، بل كشفت الدول الطيبة عن أعماق لها كانت مخفية ، وهذه خصيصة التجارب القاسية : تكشف معادن الأفراد والشعوب . وتجسد أميركا وإسرائيل الصنف السيء العدواني . إسرائيل واصلت عدوانيتها على سوريا والفلسطينيين ، وأميركا أوقفت مساهمتها في ميزانية منظمة الصحة العالمية ، وعنفت سوريا " لقصورها في مقاومة كورونا " ! أغرب تعنيف يصدر عن بشر ، لكن لا غرابة في صدوره عن أميركا التي هي أفشل من قاوم كورونا . وواصلت حصارها لإيران دون أي تليين ، وإن حاولت مساومتها وابتزازها للتخفيف منه شيئا ، فقابلتها إيران بالسخرية والصد في عزة فارسية عريقة . واندفعت في سيل من الاتهامات للصين بأنها ضللت العالم عن خطورة كورونا فأخفت عدد ضحاياها منه . ويتنافس ترامب ووزير خارجيته بومبيو في تهديد الصين بدفع تعويضات عن هذا التضليل المدعى . ويتحرش الاثنان عسكريا بإيران .

ثانيا : أيا كانت الأسباب التي جعلت أميركا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا أكثر دول العالم في ضحايا ومصابي كورونا فإن هذه الأسباب تبرهن عجز الحضارة الغربية حتى في الميادين التي تباهي بالتفوق فيها ، ونعني ميدان الطب . وفي مقابل هذا العجز الصارخ نجحت دول ليست في شهرة الغرب في هذا الميدان مثل الصين . وتمكنت دول صغيرة قليلة الموارد والقدرات مثل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين من مواجهة الوباء في جراة وفاعلية ، والأهم دون فزع وصراخ مثل الدول الغربية . وبزت غزة العجيبة الجميع في نقائها من الوباء ، وبرهنت أن الله _ تبارك وتعالى _ حقا يلين الريح الباردة العصوف ويدفئها للحمل الجزيز الصوف . وقد يكون في هذا العجز الكبير من جهة الأقوياء القادرين ما يحثهم على التواضع والإقرار بأن القادر الكلي القدرة هو الله وحده بعد أن أوغلوا في الاعتداد بالذات بعيدا عن الله ، وتجرأ ترامب في فجوره ، فصرح بأنه يريد عالما بلا إله . وفي نجاح الضعفاء الفقراء ما يدفعهم إلى درجات أعلى من الوثوق في عدل الله ورحمته ، وهم مؤهلون لهذا العلو الإيماني .

ثالثا : لم يقدم المسلمون باستثناء تركيا إنجازا محسوسا في مقاومة كورونا ، وهم بقصورهم الكبير الواضح لم يرتقوا إلى جلال دينهم ، دين العقل والعلم والحضارة الخيرة التي أضاءت ليل البشرية قرونا ، الدين الذي ينعته بعض الغربيين المنصفين بدين النظافة وعلم الجبر . وعلى تباين مع قصور المسلمين ، سطعت حقائق وجوهريات دينهم المبهرة ، فدهشت " نيويورك تايمز " وسواها من كبريات الصحف الغربية والدوائر الطبية والعلمية من حديث رسولنا الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ الذي يوجه إلى السلوك الصحي السليم عند ظهور الوباء ، مثل الطاعون ، بتجنب الخروج من المكان الموبوء أوالدخول إليه . وأسلم بعض الغربيين ، ومنهم المصارع النمساوي الذي استثمر حجره في موالاة دراسة الدين الإسلامي ، فزاده الوباء اقتناعا به ، فأسلم . وينوي باول بريستو النائب المحافظ في البرلمان البريطاني أن يصوم أسبوعا لفهم معنى الصيام . ومن يدري ، قد ينتهي صيامه بإسلامه مثلما فعل من صاموا من الغربيين مجاملة لجيرانهم وأصدقائهم من المسلمين ، فأسلموا فور انتهائهم من صيام يوم واحد بعد ما أحسوه من صفاء النفس وراحة الجسم ولذة الطعام والشراب وقت الإفطار 

رابعا : لم يقلع بعض العرب عن جهالاتهم وسفاهاتهم وابتعادهم عن أوامر دينهم ومناهيه ، فتواصل القتال في اليمن وسوريا وليبيا دون أيما اهتمام بحرمة رمضان ووجوب التقوى والتراحم فيه ، فاستحقوا التساؤل : أي بشر هؤلاء ؟! ولا نتساءل : أي مسلمين أو أي عرب

خامسا : الزائد أخو الناقص ، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده . أسرفت الدول الإسلامية في إجراءات الحماية من الوباء إسرافا يشعرنا بأنها تعوض بهذا الإسراف وجوه تقصيرها وفشلها في جوانب أخرى تعويضا لا يكلفها أكثر من الحجر والمنع . ما كان يجب تعميم منع صلاة الجماعة والجمع والتراويح في رمضان تعميما طال مساجد القرى والضواحي القليلة المصلين وساواها مع مساجد المدن الكثيرة المصلين . ونتمنى مراجعة هذا الإسراف والرجوع عنه ونحن في مستهل شهر القرآن والغفران .

لكل وباء أو بلاء عمر افتراضي يزول بعده ، وكل عاصفة يتلوها سكون ، وكل شتاء عنيف يعقبه ربيع لطيف ، وسيزول كورونا قريبا أو بعيدا ، وسيراجع النظر والحكم في كثير من حقائق هذا العالم وقيمه ودوله ، وشتان بين من أساء ومن أحسن . للأول ثواب من رب العباد والعباد ، وللثاني عقاب من رب العباد والعباد . وأزلا وأبدا يغلب الخير الشر ، ولولا هذه الغلبة ما اتصلت مسيرة البشرية والحياة في هذا الكون .

اخبار ذات صلة