بقلم/ هاني عوكل
على الرغم من انتشار فيروس كورونا حول العالم وتصدره عناوين الأخبار في الصباح والمساء، إلا أن بعض الدول التي أصابها الفيروس تستغل انشغال المجتمع الدولي بالوباء لتمرير سياساتها وتنفيذ مخططاتها دون تلك الجلبة التي يمكن حدوثها لو أنه لم يكن هناك «كورونا».
إسرائيل التي أصابها الفيروس واستعجلت في اتخاذ الإجراءات الوقائية وغيرها لتخفيف انتقال العدوى بين أفراد مجتمعها، ظلت طوال الوقت تعمل بصمت وغير صمت للعودة إلى النشاط الحكومي المعتاد الذي تأثر بفعل مسلسل الانتخابات المتكرر الذي أربك السياسة الإسرائيلية.
على الجبهة السورية، تراقب إسرائيل مسار النزاع هناك وترسل إشارات في كل مرة إلى النظام السوري بأنها موجودة في هذه الساحة حالها حال إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، وهي لن تتوقف عن قصف مناطق في سورية إلى أن تتعرف إلى موقعها في الملعب السوري وحدود الدور الإيراني هناك.
على الجبهة الفلسطينية، لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي يوماً عن مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس تحديداً، لأن ذلك ينسجم مع العقيدة الصهيونية وكذلك مع كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي وضعت الاستيطان والزحف الاستيطاني على قائمة أولوياتها.
قبل الانقسام الفلسطيني الملعون، كانت إسرائيل تواصل بناء المستوطنات الجديدة وتوسيع الموجود منها بدعم أميركي سخي من قبل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن الذي أعلن لأول مرة منتصف العام 2002 عن حل الدولتين، وذهب بوش وجاء باراك أوباما الذي صمت عن مواصلة الاستيطان الإسرائيلي.
في الوضع الحالي، إسرائيل ذاهبة لتنفيذ مخطط ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية مدفوعة بثلاثة عناوين، الأول ان «كورونا» والهوس العالمي به قد يخفف من وطأة قرار الضم، كون أن المجتمع الدولي منشغل بأولوية التصدي لهذا الوباء وإيجاد اللقاح المطلوب.
الثاني، ان السلطة الفلسطينية ضعيفة جداً بسبب «كورونا» وتأثيراته الاقتصادية الصعبة، وأيضاً بسبب عامل الانقسام الداخلي الذي يعتبر أكبر مهدد للمشروع الفلسطيني برمته، وإسرائيل التي طالما لعبت على هذا الوتر الأخير تجد أن من الضروري استباق قرار الضم بإجراءات استيطانية على الأرض.
الثالث، يتعلق بالدعم الكبير والسخي الذي يقدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل وبنيامين نتنياهو في سبيل أن يظل الأخير رئيساً للوزراء وكذلك من أجل إبقاء إسرائيل قوية أمام محيطها الإقليمي، ولم يمنع «كورونا» وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من التخطيط لزيارة إسرائيل الأسبوع المقبل لدعم نتنياهو والبحث بشأن خططه مع بيني غانتس بشأن ضم الضفة.
ثمة مهلة زمنية قدرها نتنياهو وحليفه غانتس بخصوص موعد الضم، وهو مطلع شهر تموز المقبل، وقد يكون التوقيت المناسب بالنسبة لهما في إطار ترسيخ الاتفاق الائتلافي وسريان عمل حكومة التناوب، والأهم من ذلك تسريع عملية الاستيطان كما يحدث الآن في قرار توسيع مساحة مستوطنة «أفرات».
بالنسبة لنتنياهو تحديداً، فقد تمكن الهروب من كل أنواع الملاحقات القضائية ضده. الآن هو يعود مرةً أخرى إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ويحظى بالدعم الأميركي وكذلك يشغل الرأي العام الإسرائيلي بقرار ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية بما فيها غور الأردن.
الرأي العام الإسرائيلي لم يكن بحاجة للاقتناع بأهمية الاستيطان وتهويد الضفة، فهو مقتنع من «دار أبوه»، والأهم أن نتنياهو يغذي هذه الرغبة تحت عوامل كثيرة من بينها الهاجس الأمني وعدم كفاية الجدار العنصري في حماية الإسرائيليين، ومخاوف التفوق الديمغرافي الفلسطيني.
ليس هناك ما يمنع إسرائيل من المضي في تهويد الضفة الغربية وتنفيذ قرار الضم، وكثيراً ما صدرت قرارات من هذا القبيل ولم يتحرك المجتمع الدولي بتلك القوة التي تلجم إسرائيل. ما الذي حدث؟ قبل ذلك أعلن نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتل، وقوبل قراره هذا بالرفض والسلام.
لن يشكل الحرد الفلسطيني وإلغاء الاتفاقات مشكلة كبيرة مع إسرائيل، بقدر أهمية وجود تحرك حقيقي على الأرض يربكها ويفضحها أكثر فأكثر إذا ما قررت بالفعل ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. الفلسطينيون تعبوا من الانقسام الداخلي الذي أضعف بحق صوتهم وحقوقهم المشروعة.
إذا كان الرهان على الخارج في أخذ حقوق الفلسطينيين فإن هذه مشكلة عويصة، لأن عالم «كورونا» مختلف بالتأكيد عن العالم الذي قبله، وثمة دول كثيرة غير معنية في الأساس ولا يهمها قرار الضم لا من بعيد أو قريب، والرهان الحقيقي يعتمد على الكل الفلسطيني.
نتنياهو عاد من جديد بخارطة طريق واضحة تهدف إلى تكبير إسرائيل كما حصل إبان إعلان قيامها في 14 أيار 1948، فماذا نحن فاعلون؟ هل ننتظر حتى يأتي الفعل من إسرائيل ثم نندب حظنا ونتحرك في ضوئه، أم نبحث في العوامل التي تقوي لحمتنا الداخلية وتعزز صمودنا في وجه الاحتلال.
ثمة ضرورات ينبغي القيام بها سواء عن قناعة وطنية أو قناعة خطورة الموقف. أمامنا حالياً معركة ضد «كورونا» وأخرى ضد الاحتلال الإسرائيلي، والأولى تجاوز كل الخلافات لصالح قضايا كبرى. نتنياهو اضطر للتحالف مع غانتس لتحقيق مصالحه ومصالح إسرائيل. هل يمكننا التحالف مع بعضنا لإعطاء الأولوية لفلسطين التي تئن من كثرة الأوجاع؟