بقلم: أشرف العجرمي
هناك وجهتا نظر إسرائيليتان رئيسيتان تجاه خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروفة باسم «صفقة القرن» والتي يسميها الأميركيون «رؤية السلام» الأولى هي التي تتبناها حكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو ويوافق عليها اليمين واليمين المتطرف مع بعض التحفظات للأخير كونها تتحدث اسماً عن قيام دولة فلسطينية، فيما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة. ووجهة النظر هذه تقوم على ضرورة استثمار الوضع الراهن بوجود إدارة أميركية منحازة وخارجة عن القانون الدولي وخارقة لكل الأعراف والمرجعيات الدولية، بما فيها تلك التي وضعتها الولايات المتحدة ووافقت عليها كـ»خارطة الطريق» وقرارات مجلس الأمن 242و 338. وموقف هذه الجهة معلوم تماماً ويدعو لفرض الأمر الواقع الاحتلالي وشرعنته وعدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر، وذلك من خلال تثبيت فكرة «أرض إسرائيل» على كل المناطق التي كانت تحت سيطرة إسرائيل قبل عام 1967، بالإضافة إلى قسم كبير من الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية تمثل تجسيداً لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أرض وطنه. بما يثبت الرواية الصهيونية المزيفة لتاريخ فلسطين وحقوق اليهود الحصرية عليها.
ووجهة النظر الأخرى فهي تلك التي تلاحظ أن خطة ترامب تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، ليس فقط من جانب عدم قدرتها على تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وإنما أيضاً بسبب تضمنها الكثير من المخاطر على وجود إسرائيل واستقرارها. وقد عبر عدد كبير من الكتاب والمحللين والباحثين عن هذا الموقف من خطة ترامب وأظهروا بالدليل القاطع خطورة هذه الخطة على مستقبل إسرائيل. وهنا يمكننا عرض ثلاث دراسات حول موضوع الضم معدوها ليسو متجانسين سياسياً. الأولى صادرة عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب وهو جهة مقربة من القيادة السياسية والأمنية الرسمية. وقد نشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية في 30/4/2020 وهذه الدراسة تحذر من مغبة الإقدام على ضم أحادي الجانب استغلالاً لظرف جائحة كورونا الذي تعتبره الحكومة فرصة لا تعوض لتطبيق الفكرة. وتقول الدراسة إن «الضم ليس فقط لا يحسن وضع إسرائيل الإستراتيجي وقدرتها على مواجهة تحديات الفترة الحالية وتحديات المستقبل...، وإنما ستقوض خطوة كهذه حلم دولة إسرائيل الأساسي كونها يهودية وديمقراطية وآمنة وأخلاقية، تسعى للسلام مع جاراتها». وقد أشير كذلك إلى أن استطلاع للرأي أجراه المعهد في نهاية العام الماضي يظهر إجابات الإسرائيليين حول سؤال عن الخيار الأفضل لإسرائيل، حيث قال 14% إنهم يفضلون الوضع الحالي، و23% أيدوا خطوات مرحلية للانفصال عن الفلسطينيين، و36% أيدوا التسوية الشاملة، و17% دعموا ضم الكتل الاستيطانية، و9% فقط وافقوا على ضم الضفة الغربية كاملة لإسرائيل.
وتحدثت الدراسة كذلك عن احتمالات حدوث انتفاضة جديدة وتهديدات أمنية كبيرة بما فيها انهيار السلطة الفلسطينية واندلاع عمليات فلسطينية مسلحة، وإطلاق صواريخ من غزة. كما تحذر الدراسة من تدهور علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية. وتعرضت لموقف الاتحاد الأوروبي واحتمالات فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، وأيضاً احتمال فوز مرشح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة جو بايدن بالرئاسة الأميركية ووعوده بالضغط على إسرائيل من أجل التقدم نحو حل الدولتين.
والدراسة الثانية صدرت عن «معهد السياسة والاستراتيجية» ونشرت في موقع المعهد («الأيام» 12/5/2020). وبعد استعراضها لمخاطر الضم من انهيار للسلطة الفلسطينية ونهاية التنسيق الأمني، وتقويض السلام مع مصر والأردن، وحدوث انقسامات حادة في إسرائيل، وتصاعد مقاطعة إسرائيل، وفرض ضغط عليها والتوجه نحو محاكمتها دولياً، خلصت إلى توصيات تقول إنه «يجب أن تقرر إسرائيل بأن ضماً من طرف واحد هو تهديد استراتيجي على مستقبلها وأمنها وطبيعتها كدولة يهودية وديمقراطية».
أما الدراسة الأكثر جدية وأهمية فهي التي أعدها د. شاؤول أريئيلي الضابط المتقاعد في الجيش الإسرائيلي ومن المبادرين لتفاهمات «وثيقة جنيف» وعضو الهيئة القيادية في «قادة من أجل أمن إسرائيل»، وقد نشرت من قبل «منتدى سياسة إسرائيل» قبل أيام تحت عنوان «شريك وخطة: رؤية ترامب للسلام مقابل خيار الدولتين». وهذه الدراسة الطويلة التي تقع في 92 صفحة تستحق الاهتمام لأنها تتناول كافة مركبات خطة ترامب والعيوب الجوهرية فيها، مثل طول الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية حسب هذه الخطة. وحسب الباحث يصل طول حدود الخط الأخضر مع الضفة الغربية إلى 311 كم، ومع قطاع غزة إلى 56 كم. وفي عملية «أنابوليس» امتدت الحدود إلى 727 كم. بينما خطة ترامب ترسم حدوداً فلسطينية- إسرائيلية طولها 1696كم. وفي هذا اشكالات عرقية واقتصادية وأمنية وغيرها. كما تحدثت الدراسة عن مشكلة الجيوب والمعازل الفلسطينية داخل مناطق إسرائيل الجديدة والإسرائيلية داخل فلسطين، والمساس بنسيج الحياة في فلسطين في غياب التواصل الجغرافي في جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم والخليل ومع قطاع غزة والمناطق التي ستضم إليه. كما أن هناك قضية جوهرية كبيرة تتمثل بنقل حوالي 150,000 من الفلسطينيين مواطني إسرائيل في المثلث.
والكاتب هنا يقول إن خطة ترامب هي مساس خطير بكل ما تم تحقيقه حتى الآن، واستمرار للوهم بإمكانية تحقيق السلام دون التنازل عن الضفة الغربية، وإعادة الخطاب الفلسطيني لمئة سنة سابقة لفكرة الدولة الواحدة مع أغبية عربية. وهي من جانب آخر غير قابلة للتحقيق بسبب الرفض الفلسطيني والعربي والدولي، وتمس بشكل كبير بموقع منظمة التحرير. وضم جزئي احادي الجانب سيقود إلى ضم الضفة الغربية كلها وإلى مواجهة عسكرية وسياسية متواصلة. وخطة ترامب عملياً هي بديل لحل الدولتين، ولكل مركبات الصراع: الرواية والحدود والأمن والقدس واللاجئين.
في الواقع هناك أرضية لخلق معارضة إسرائيلية جدية لمشروع الضم الإسرائيلي، ليس فقط من النخب المتزنة بل ومن قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي إذا اتخذنا خطوات ملموسة تشعر الإسرائيليين بأن الضم لن يمر وأن الثمن المترتب عليه كبير، بحيث لا يعود هناك لا أمن ولا استقرار ولا مستقبل لإسرائيل في ظل هكذا خطوات سياسية تمثل جريمة حرب بكل ما للكلمة من معنى. والسؤال هو كيف يمكن إيصال هذه الرسالة للإسرائيليين؟
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"