حوار يدمي القلب
حينما علم يوسف بخبر استشهاد ابنته وأحفاده، "أُغميَّ عليه" واستمرت ساعات طويلة حتى تمكن رفاقه الأسرى في سجن نفحة من إعادته إلى الواقع الأليم، استعاد يوسف نشاطه وذاكرته وتقبل الأمر وردد دعواته لهم بالرحمة والقبول.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
قانون جديد لأسرى غزة
صُدر الحكم ضد يوسف مدة "6 أشهر" وتم تجديده مرة أخرى؛ لكن قضاء تلك الشهور ستكون بعيدة عن سجن نفحة، ففي تاريخ (15-1-2024) دقت ساعة الفجر الأولى، ينادي السجان: "يوسف تعال هون"، وصل يوسف شامخًا قويًا وهو يردد "أين سيتم نقلي؟"، لم يجبه السجان الذي أوصله إلى البوسطة برفقة 6 أسرى آخرين.
كل هذا الألم والضرب الشديد لم يشفع ليوسف معرفة وجهته الجديدة؛ إلا أنه تفاجأ بوجوده داخل معتقل صحراء النقب، أمامه أقفاص حديدة في كل قفص 6 خيام من النايلون، يقول: "بالوضع الطبيعي تحتوي تلك الخيام نحو 10 أشخاص؛ لكنه تفاجأ بوجود نحو 30 شخصًا في الخيمة الواحدة".
كأنهم أهل الكهف
وبالعودة قليلًا إلى الطريق من نفحة إلى معتقل صحراء النقب فهي تحتاج بالسيارة نحو (ساعة إلا ربع)؛ لكن المسافة التي قطعتها سيارة البوسطة استغرقت نحو (5 ساعات) تقريبًا، إذ تعرض يوسف خلالها للضرب وشتائم لا تعد ولا تُحصى، والمفاجأة التي صدمته حينما وطأت قدمه للقسم الجديد وهو عبارة عن "أقفاص حديدة" رؤيته لأشخاص يصعب وصفهم، "شعر طويل، أعين معصوبة، أيديهم وأقدامهم مكبلة بسلاسل حديدية، أظافرهم طويلة، أجسادهم النحيلة مليئة بالجروح، يصفهم يوسف بأنهم أشبه بـ "أهل الكهف".
يغمض يوسف عينيه وبشدة يضغط على أنيابه ليبتلع ريقه بصعوبة، تعبيرًا عن هول المشهد الذي يراه أمامه، يقول لمراسل "شمس نيوز": "أول مرة بحياتي أرى هذه الأشكال، فهل هم ناس طبيعيين أم فاقدي العقل؟، سألت أحدهم من أنتم؟، أجابني وهو مكبل بأصداف حديدية والدماء تسيل ما بين أصابع يديه وأقدامه، أنا اسمي الدكتور عصام أبو عجوة أخصائي الجراحة اعتقلني الجيش من داخل غرفة العمليات في المستشفى المعمداني بمدينة غزة".
لوهلة وقف يوسف مصدومًا مما تشاهده عينيه وتسمع أذنيه، وضع يديه أمامه وبدأ يعود بقدميه للخلف ويصرخ بأعلى صوته: "يا الله يا الله"، كان المشهد كما يشير يوسف مرعبًا "ما شاهدته في المعتقل الجديد لم أشاهده طوال 21 عامًا من اعتقالي، خيرة رجال غزة معصوبي الأيدي حتى الديدان كانت تخرج من أجسادهم المليئة بالجروح".
وضعه بكيس ثم رموه للكلاب
لم يتوقف يوسف عن المطالبة بحقوق الأسرى، كان صراخ الأسرى يشتد يومًا بعد يوم ففي زاوية أخرى من هذا المعتقل سقط أسير مُغمى عليه، أسرع يوسف باتجاه السجان حاملًا جثة الأسير وقال: "الأسير تعبان جدًا يحتاج لعلاج في المستشفى، هنا كانت الصدمة قوية له، فقد أبلغ الجندي يوسف على وجه السرعة بالقول: "عندما يغمض عينيه وتتوقف دقات قلبه ويفقد الإحساس حينها أرسله لنا لنضعه في كيس ونلقيه خارج المعتقل" وهذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها كما يقول يوسف فقد تكررت معه أكثر من مرة.
أدرك يوسف أنه داخل معتقل يتجاوز كل الخطوط الحمراء ويخالف جميع القوانين الأخلاقية والقانونية والدينية، ويبين أنه في أحد الأيام تعرض أسير لأوجاع شديدة جدًا ما دفعه لطلب دواء الأكامول لتخفيف الآلام، فلم يكن أمام الجندي؛ إلا أن أعطاه حبة واحدة فقط، ما اضطر يوسف لتقسيمها بين أسيرين.
أما من ناحية الطعام والشراب يلفت يوسف إلى أن السجان يقدم وجبة واحدة يوميًا تحتوي على شرائح صغيرة من الخبز و3 معالق رز أو حبات من العدس والبازيلاء، وهذا الأمر تسبب بضعف أجساد الأسرى، وضرب مثالًا صغيرًا على ذلك قائلًا: "أنا الذي لم أتعرض لهذا التعذيب من قبل فقدت نحو 30 كيلو من وزني فكيف لهؤلاء المعذبين".
ولم ينسَ المحرر يوسف تأكيده بأن السجان القاتل لم يفرق بين كبير أو صغير بين صحيح أو أعمى فجميعهم يتعرضون للتعذيب والقتل والإهانة فلا احترام ولا كرامة للأسرى الفلسطينيين في معتقلات جيش الاحتلال.
رسالة معبدة بالدم
"يتعرض أسرى قطاع غزة لعمليات الضرب والشبح 3 مرات يوميًا، غير التدخلات المفاجئة بالكلاب البوليسية"، يقولها يوسف وفي قلبه غصة كبيرة على الأسرى، ونتيجة لتدخلاته في شؤون الأسرى قررت إدارة المعتقل إعادته إلى سجن نفحة مرة أخرى، حتى جاء تاريخ (1-7-2024) ليتم الإفراج عنه من سجون الاحتلال وينقل معاناة أسرى قطاع غزة.
"ويعاني الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال وبخاصة أسرى قطاع غزة للموت في كل لحظة، الكثير منهم فقد حياته نتيجة التعذيب وهناك من ينتظرون الموت".
وحمل يوسف رسالة من الأسرى إلى الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية التي تعني بحقوق وكرامة الانسان بصرورة التحرك والنظر بعين الرحمة لكرامة الانسان الفلسطيني داخل معتقلات الاحتلال وانقاذه من الموت والإذلال اليومي