بقلم / د. عبد الرحيم جاموس .
يواجه العالم العربي جملة من التحديات المتعددة والمتشعبة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، تلتقي جملة التحديات الداخلية والخارجية لتجعل من العالم العربي ضحية تتناهشها القوى الإقليمية والدولية، الطامعة في مدِ الهيمنة والنفوذ، والنهب والتوسع على حساب الوطن العربي.
عقود مرت على استقلال الدول العربية وعلى تأسيس جامعة الدول العربية كتعبير عن نظام المصالح العربية المشتركة، لكن وبكل أسف لم تستطع الدولة العربية، ولا جامعتها العربية، أن تنجح في مواجهة أزماتها الداخلية المتمثلة في الحفاظ على الوحدة والإستقرار وتحقيق الأمن والإزدهار والتنمية المستدامة ولا القضاء على الأمية، ومواكبة التقدم العلمي والتطور الصناعي والتقني الذي يشهده العالم، ولا الإنتقال في اقتصادياتها من الإقتصاديات الخدمية والريعية إلى الإقتصاديات الإنتاجية المربحة ...
يمكن أن يعزى كل ذلك إلى عددٍ من الأسباب منها، ومن أهمها التمزق الهوياتي الذي تعاني منه الدولة العربية وشعوبها، وضعف التعليم ومخرجاته، الفشل في تحقيق التنمية السياسية وما يترتب عليها من نضج لمفاهيم الوطن والمواطنة وحق المشاركة السياسية واعتماد مبدأ تداول السلطة، على أساس من التنوع والتعدد المبني على قاعدة من الوحدة الوطنية المتينة، وإعلاء لشأن الوطن والمواطنة، وتكريس لوحدة المجتمع، ودسترة وقوننة الدولة ومؤسساتها، وأن يكون الجميع سواسية أمام القانون وصولا إلى شرعنة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هذا ما كشف عن ضعف وهشاشة بنى ومؤسسات الدولة العربية في مواجهة جملة الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية التي عصفت بالعالم العربي، وكشفت عن ضعف جامعته العربية عن التعبير السليم عن نظام المصالح العربية المشتركة.
أما التحديات الخارجية الإقليمية والدولية التي تواجه العرب ودولهم فهي أيضا لا تقل خطورة وحِدةَ عن تلك التحديات الداخلية، وأثرها بالغ على مستقبل الدول والشعوب العربية ...
يمكن التحدث في هذا السياق عن عدد منها يتقدمها ..
أولا / علاقة التبعية مع دول المركز وتصفية آثار الإستعمار، والتي لا زالت تحكم وتتحكم في سياسات العديد من الدول العربية وتمثل عائقا حقيقيا أمام نهوض وتقدم هذه الدول فيما يجب أن تسعى إليه من أهداف وغايات وطنية وقومية.
ثانيا / مواجهة تحدي الكيان الصهيوني وما تمخض عن وجوده من تحديات أمنية وعسكرية واقتصادية تهدد الإستقرار والأمن القومي العربي، جاعلا من القضية الفلسطينية لغما متفجرا لا يمكن التغاضي عنه وعن آثاره، دون تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة في وطنه غير القابلة للتصرف، من حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرارات ١٨١ و١٩٤ الصادرين عن الجمعية العامة والقرارات ٢٤٢ و٣٣٨ و١٥١٥ و٢٣٣٤ الصادرة عن مجلس الأمن واعتماد مبادرة السلام العربية وقرار الجمعية العامة ١٩/٦٧ الخاص بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة كأساسات ومرجعيات سياسية وقانونية لحل القضية الفلسطينية.
ثالثا / مواجهة التدخلات الإقليمية في الشأن العربي وتهديدها للمصالح العربية، وتهديد وحدة نسيج المجتمعات العربية واستقرار الدول العربية، بل وحتى مواجهة شهواتها هي الأخرى في التوسع على حساب الأقاليم العربية، يتصدرها كل من التدخل والتحدي الإيراني والتركي وأخيرا الأثيوبي ..
هنا تبرز أهمية وضع حدٍ لهذه التدخلات، لما ينجم عنها من استنزاف للطاقات العربية وحرف للدول العربية عن أولوياتها، واشغال للعرب عن قضاياهم الأساسية وعن التحديات الرئيسية وخاصة منها التحدي الصهيوني والقضية الفلسطينية، وتحدي التنمية والإستقرار..
إن هذا الواقع الصعب للعرب دولا وشعوبا يقتضي بذل الجهود المخلصة والواعية لإيجاد استراتيجية عربية فاعلة وخطط اصلاحية وطنية وقومية قابلة للتنفيذ، من أجل الثبات في وجه هذه التحديات والانتصار عليها والنهوض بالدولة العربية وطنيا وقوميا، والعمل على تطوير النظام العربي ومؤسساته المختلفة ومشروعه في الأمن والإستقرار والوحدة والقدرة والكفاية في التقدم والبناء على أسس مصلحية عربية مشتركة، وبناء علاقات عربية إقليمية ودولية على أسس مصلحية واضحة ومحددة تحقق المصالح العربية ..
عندها يكون النظام العربي قادرا على توفير كل أسباب النهوض والتقدم والبناء وردع كافة القوى الطامعة في مدِ هيمنتها ونفوذها وتوسعها على حساب الدولة العربية، ويكون قادرا على فرض حل لكافة القضايا والأزمات التي يعاني منها العرب دولا وشعوبا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ..
وللحديث بقية ...