بقلم: أشرف العجرمي
بدأ الخناق يشتد حول عنق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه عدداً لا بأس به من الأزمات الشديدة التي يمكنها أن تطيح بأي رئيس حكومة. ومع أنه استطاع الصمود في لعبة البقاء بصورة لم يسبق لها مثيل وضرب رقماً قياسياً في الصراع على الكرسي لدرجة أن سجل لنفسه أطول فترة في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها كرئيس حكومة وفاق بذلك رئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون، إلا أن الأمور باتت صعبة للغاية داخل إسرائيل وفي مواجهته شخصياً. وليس سهلاً التعامل معها إلا في ممارسة سياسة الهروب نحو الأمام كما دأب على ذلك.
هناك أزمة كورونا التي أثبت نتنياهو وأركان حكومته فشلاً في إدارتها، إذ عادت أرقام الإصابات اليومية إلى الارتفاع بشكل مُطّرد حيث يزيد عدد المصابين عن 1850 يومياً في الإحصاءات الأخيرة وعدد الوفيات هو الآخر في ازدياد وبلغ حتى مساء اول من أمس 415. وهناك نزاع بين الموظفين الكبار في الوزرات المختلفة وبين نتنياهو حول إدارة ملف الكورونا، حتى أن رئيس لجنة الكورونا في الكنيست مهددة بالإقالة بسبب خلافها مع نتنياهو. ويتعرض رئيس الحكومة لحملة قوية في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب انتشار الفيروس وبسبب الضائقة الاقتصادية التي بدأت تثقل على كاهل الموازنة والجمهور على السواء، فنسب البطالة مرتفعة وعدد العاطلين عن العمل فاق الثمانمائة ألف بالرغم من إعادة فتح المرافق الاقتصادية. وبعض القطاعات وخاصة الثقافية والترفيهية تتعرض لانهيارات بسبب استثنائها من العودة للعمل. ونفس الشيء ينطبق على قطاع السياحة الذي هو الآخر تلقى ضربة شديدة وخسائره فادحة.
لا توجد لدى الحكومة الإسرائيلية خارطة طريق للخروج من مأزق الكورونا وهي تتخبط في قراراتها والبعض يصف الوضع في إسرائيل بأنه عبارة عن حالة فوضى عارمة. كل هذا يجري في ظل حكومة الطوارئ التي شكلت أساساً لمواجهة الكورونا، وأصبحت الحكومة الأكبر في تاريخ إسرائيل ومصاريفها تضخمت بصورة غير مسبوقة، بما يتناقض مع التوجه لإقامتها وأهدافها المعلنة. كما أن الحكومة تعاني من عدم اقرار الموازنة العامة التي يختلفون عليها، حيث يريدها نتنياهو لسنة واحدة حتى يتحكم في تولي بديله بيني غانتس لرئاسة الحكومة بعد مرور عام ونصف، بينما يصر غانتس على موازنة لمدة عامين حتى يضمن لنفسه تولي منصب رئيس الوزراء، وفي حال عدم إقرار الموازنة حتى منتصف شهر آب (أغسطس) القادم فهذا قد يؤدي إلى انتخابات جديدة ربما في نهاية العام، على الرغم من توجه نتنياهو لتأجيل المصادقة على الموازنة.
وغير «الكورونا» هناك مشكلة خطة الضم التي بموجبها تريد إسرائيل فرض سيادتها على حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية وتشمل جميع المستوطنات ومنطقة غور الأردن. فهذه الخطة تعثرت لأسباب داخلية وخارجية. ففي الحكومة يعارض حزب «أزرق- أبيض» برئاسة غانتس تطبيقها الآن، ويقول إن هناك أولويات أخرى أهم وخاصة التصدي لـ «الكورونا» كما يريد تنفيذ الخطة في إطار توافق إقليمي ودولي أوسع. كما أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعارض هي كذلك الخطة وترى فيها مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار. ويرفضها قادة مجلس المستوطنات لأنها مرتبطة بمشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتحدث عن دولة فلسطينية. بالإضافة طبعاً لقطاعات واسعة في النخبة الإسرائيلية التي تعارض فكرة الضم لأنها تقضي على حل الدولتين وتلغي «الدولة اليهودية» أي ذات الأغلبية اليهودية الراسخة.
أما خارجياً، فعدا عن المعارضة العربية والدولية واسعة النطاق والتي وصلت في بعضها إلى التهديد بعقوبات أو ردود قوية من قبيل تجميد اتفاقات أو اعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967، هناك رد الفعل الأميركي الذي يعتبر حجر الأساس في الموقف الإسرائيلي من فكرة الضم، وهو محبط بالنسبة لنتنياهو خصوصاً موقف الشخص المسؤول عن الملف صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر الذي يرى أن الضم جزء من خطة ترامب ولا يجب أن تنفذ بمعزل عن باقي التفاصيل. وقد صرح أمس لمجلة «نيوزويك» الأميركية أن الخطة لا تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من فعل أي شيء ومتى يشاء في الضفة الغربية. بمعنى أنه لا يوجد ضوء أخضر أميركي للضم.
ومما يزيد في ضائقة نتنياهو حصول تطورين أمنيين مهمين مؤخراً؛ الأول توقيع اتفاق تعاون أمني استراتيجي بين طهران ودمشق بموجبه ستساعد إيران سورية في تطوير دفاعاتها الجوية ونصب منظومات متطورة مثل صواريخ أس 300 من الصناعة الإيرانية ومنظومات أخرى. أي أن الوجود الإيراني العسكري في سورية تم تقنينه ودخل مرحلة جديدة خلافاً لجهود إسرائيل وضرباتها الجوية المتكررة للحيلولة دون تمركز القوات والقواعد الإيرانية هناك. أما التطور الآخر فهو عقد اتفاقية بين إيران والصين لزيادة التعاون بينهما ليصل إلى حوالى 400 مليار دولار وفي إطارها تقيم الصين قاعدة عسكرية بحرية في إيران في المحيط. وبالرغم من أن هذا التعاون ليس موجهاً ضد أطراف إقليمية محددة، إلا أنه سيساعد إيران كثيراً في الصمود اقتصادياً وتطوير صناعاتها العسكرية، ما يؤثر بالطبع على إسرائيل وميزان القوى معها.
في الواقع لا توجد مخارج جيدة لنتنياهو للتخلص من هذه الأعباء والتحديات الجدية، ولديه ثلاثة خيارات ليست سهلة أبداً، فإما الذهاب لحرب خارجية ضد إيران وحلفائها ربما في سورية أو لبنان، أو الذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، أو ربما إلى الضم بشكل يخالف الرغبة الأميركية واستباقاً لوصول جو بايدن الديمقراطي المحتمل لسدة الرئاسة. وفي كل خيار من هذه هناك ثمن وقد تكون العواقب وخيمة.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"