بقلم/ د. علاء حمودة*
هل سننجح هذه المرة في الوصول لرؤية وطنية استراتيجية موحدة أم أننا أمام حوار لكسب مزيد من الوقت من جهة أو لإهداره من جهة؟!
هذا هو السؤال الأبرز الذي يتداوله شريحة واسعة من الناس، وما نسمعه في نقاشات الكُتَّاب والسياسيين والنشطاء وحتى سائقي السيارات، وحوار شبابنا وشاباتنا الذين أنهكهم وسرق أعمارهم هذا الانقسام اللعين، حيث كان الشعب وهموم المواطن، هما الغائب الأبرز عن "التفاهمات" الثنائية التي تجري بين فتح وحماس، حيث إن سرعة التقارب بين "طرفي الانقسام"؛ رفعت منسوب الخشية من استمرار هذه الثنائية لتتجاوز الانتخابات البرلمانية وصولًا للانتخابات الرئاسية، ومحاصصة قد تصل "لتفاهمات" حول تركيبة المجلس الوطني بنفس العقد السياسي السابق الذي لم يراعِ تكريس المسألة الديمقراطية، ربطًا بالقضية الوطنية وأبعادها التحررية والاجتماعية، وعليه يجري تجاوز حق الشعب الفلسطيني، كما فئات وقطاعات مجتمعية هامة، وهذا يجعلنا فعلًا أمام خشية أن التجديد الحقيقي لمكونات النظام السياسي الفلسطيني لن يحصل.
الانتخابات التي نادى بها الكل الفلسطيني يجب أن تكون أداة وطنية نضالية، وأن تشكل تحديًا حقيقيًا لما يواجه شعبنا وقضيتنا من مشاريع تصفية أمريكية صهيونية، وعليه السؤال: كيف يمكن أن تكون الانتخابات أداة لمواجهة الاحتلال من جهة ولتجديد وتحديث النظام الفلسطيني من جهة أخرى؟
إن هذا يتوقف على اعتبار أن إشراك الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في هذه الانتخابات؛ مهمة وطنية لضمان تمثيلهم في مجلسهم الوطني، لا تقل أهمية عن ضمان تمثيل القدس وغيرها؛ وفي كل الأحوال، حتى لو لم توافق "إسرائيل" نحن نستطيع فعل ذلك من خلال جعل الانتخابات نقطة اشتباك معه، ونعيد عنواني اللاجئين والقدس كمحور أساسي في الصراع، بدءًا من رفض شروط الاحتلال في سياق تحالفاته الإمبريالية، وصولًا إلى قانون الانتخابات والاقتراع والتمثيل، بعيدًا عن مرجعية اتفاقات أوسلو واشتراطاتها التي آن أوان إلغائها وإلغاء الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي، دون إبطاء أو تأخير؛ فلا بديل عن الخيار الديمقراطي الوحيد لتجديد الشرعيات الفلسطينية، خاصة وأن الخشية من فرض قيادة جديدة قائم، وهذه لا يمكن أن تمر إذا تعاطينا بإيجابية ومسؤولية مع شعبنا في صدها وإفشالها ومن يقف خلفها؛ من خلال التحول الديمقراطي الذي يتطلب قبل أي شيء استعادة ثقة الشعب بقواه وفعالياته ومؤسساته، وإعطائه الأمل لتعبر قيادته المجتمعية عن طموحاته الوطنية والاجتماعية. إن المطلوب أن نكون أمام توافق للتشارك الوطني والديمقراطي بين القيادة والجماهير التي تحيي هذه الأيام الذكرى العشرين لانتفاضة الأقصى التي خلقت جيلًا شاهد وعاصر العدوان والإرهاب اليومي للاحتلال الإسرائيلي؛ من هدم وقتل واقتلاع للبشر والشجر والحجر، فما يجمع بين هذا الجيل الذي شاهد اقتحامات باحات الأقصى وجيل الانتفاضة الكبرى عام 1987 والأجيال التي بينهما، هي المراهنة الرابحة على طاقاته الكامنة وإبداعاته؛ في حال كان هناك من يمد جسور الثقة لهم، فإنه سيجد أن داخل شعبنا طاقة ومخزون كفاحي كبير، سيعيد بناء الوضع الداخلي، وسيهزم قولًا وفعلًا: "الإبراهيميون" الجدد.
خلاصة القول...
الانتخابات يجب أن تمثل فرصة لضخ دماء جديدة في عروق النظام السياسي المتيبسة، بعد أن فقدت الدماء القديمة قدرتها على تغذية التفكير والمثابرة والإبداع وتقديم الجديد وطنيًا واجتماعيًا، فالمناخات الإيجابية لا تكفي لخوض العملية الديمقراطية، والتي تعتبر الانتخابات جزءًا منها، فقبل كل شيء يجب التوافق على قيادة (هيئة) وطنية عليا أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني لتحل كافة القضايا الخلافية، والتي تشكل عقبة كبيرة أمام إنتاج وحدة وطنية حقيقية تنهي الانقسام مرة وللأبد؛ فإذا ما أعلن عن المرسوم الرئاسي المنتظر دون أن تتولى هذه القيادة أو الحكومة حل العقبات التي قد تستمر في هدم ما يجري من توافقات وإنجازات، يجب أن تكون وطنية بالأساس، وتهيئة المناخات على صعيد تجمعات شعبنا في دول اللجوء والشتات، وكذلك في داخل وطننا المحتل، وهذا يتطلب غير ما سبق ذكره، إنهاء كافة الإجراءات العقابية التي اتخذت بحق قطاع غزة، وعودة الحقوق المترتبة على ذلك، كأحد نتائج ما خلفه الانقسام طوال ١٤ عامًا، والتي مهما وصفنا كارثيته وضرره لا نستطيع حصره بمقالة.
أخيرًا، نستطيع أن نجيب عن أسئلة كبيرة تمكننا من رفع سقف التوقعات، وتجيب على إمكانية تحقيق النزاهة في الانتخابات القادمة، والتمهيد لخلق مقدمات ومناخات وحدوية، تمكن من استعادة ثقة الناس، وإقناع جماهير شعبنا في التفاؤل مع مقررات ومخرجات القيادة الوطنية الموحدة.
* أكاديمي وناشط سياسي.