عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
عرفت الشهيد القائد/ بشير الدبش في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، عرفته شاباً في مقتبل العمر كبيراً بصفاته المتعددة من شهامةٍ ورجولةٍ ووفاءٍ للعهد، منحدراً من أسرةٍ فلسطينية كريمة مكافحة تعود جذورها إلى قرية القبيبة قضاء الرملة والتي هُجّروا منها أسوةً بآلاف الفلسطينيين الذين ارتكبت بحقهم جريمة تهجير منظمة عام 1948م، واستقرت هذه الأسرة في مخيم الشاطئ إلى جانب عددٍ كبيرٍ من العائلات الفلسطينية المنكوبة.
انتمى الشهيد القائد/ أبو جهاد إلى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مبكراً، فكان من أوائل المنتمين لها والصادقين قولاً وفعلاً، حريصاً على المشاركة في كافة أنشطتها التربوية والدعوية في منطقة مخيم الشاطئ، ومما أرويه عن دقائق شباب هذا الشهيد القائد سعيه نحو متابعة الأنشطة والدروس الدعوية في مناطق مختلفة من القطاع راجلاً نظراً لصعوبة ظروفه المادية في تلك الفترة، فيقطع سيراً على قدميه مسافاتٍ طويلة لحضور جلسة قيمة في مناطق بعيدة عن منطقة سكناه، فقد امتلك موهبةً عالية وقدرةً كبيرةً على الحفظ، فامتلك القدرة على حفظ جميع الدروس والمواعظ والخطب ويعيد إلقاءها في مساجد مدينة غزة.
ونتيجةً لهذا النشاط الدعوي، اعتقل الشهيد القائد/ أبو جهاد من قبل الاحتلال الصهيوني، ومكث في سجونه مدة عامٍ نهاية الثمانينات، ولم يعلم سجانوه أن السجن سيزيد نشاطه الدعوي عنفواناً وقوة، وأن سجنه سيزرع فيه الجرأة الكافية للانتساب إلى الجهاز العسكري للحركة الذي كان يعرفه في حينه باسم (القوى المجاهدة قسم). فقد ساعد الشهيد القائد/ محمود الخواجا في عمله العسكري، وساهم في نقل السلاح والمجاهدين، ونفذ عدداً من عمليات إطلاق النيران باتجاه نقاطٍ احتلالية داخل قطاع غزة.
العمل العسكري للشهيد القائد/ أبو جهاد، كان سبباً في اعتقاله لدى جهاز الأمن الوقائي بعد قدوم السلطة الفلسطينية، فتعرض لتحقيقٍ قاسٍ على يد ضباط الجهاز الذين كان شغلهم الشاغل العمل العسكري، وبعد الإفراج عنه، توجهت إلى منزله لتهنئته فالتقيت به رفقة الشهيد القائد/ محمود الخواجا الذي كان متواجداً في بيته لذات الغرض، فرأيت استبشاراً ورضىً كبيرين على وجه الرجلين الشهيدين بعد صمود الأخ/ أبو جهاد أثناء اعتقاله، ولم تزل نظرة إعجاب الشهيد/ محمود الخواجا بالشهيد/ بشير الدبش حاضرةً طيلة الزيارة.
بعد تجاوز السنوات العجاف من النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي حيث هان البعض الفلسطيني وأصبحت كلمة الجهاد ومقاومة الاحتلال تهمةً يعاقب عليها الفلسطيني، ففي مطلع الألفية الجديد كان الشهيد القائد/ أبو جهاد على رأس حالة عسكرية كبيرة نفذت عشرات العمليات العسكرية مثل قتل حاخام صهيوني في مغتصبة كفار داروم بالقرب من مدينة دير البلح، وعملية عسكرية مشتركة مع كتائب القسام أدت إلى مقتل ثلاثة صهاينة في مغتصبة نتساريم وسط قطاع غزة، وأشرف كذلك على عملية عسكرية مشتركة بين سرايا القدس و كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى في حاجز إيرز "بيت حانون" ، بالإضافة إلى عددٍ من عمليات إطلاق النار على دوريات عسكرية للاحتلال، وإطلاق مئات قذائف الهاون على مستوطنات الاحتلال في قلب القطاع.
عرف عن الشهيد القائد إيمانُه القاطع بالإسلام كقوة هائلة تجاهلها معظم المقاومين الفلسطينيين في مرحلة ما قبل نشوء الحركة الإسلامية المجاهدة، فنظر إلى الإسلام باعتباره قادراً على إحداث نقلة نوعية في صفوف العمل المقاوم وشحذ همم المجاهدين، ودوره في تطوير وتنمية المجتمع بشكلٍ عام.
كما آمن الشهيد/ أبو جهاد بفلسطين كاملةً من بحرها إلى نهرها، باعتبارها ملكاً للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأن هذا الكيان الصهيوني الذي أنشأه العالم الظالم ليس إلا كياناً زائلاً طارئاً، ليس له موطئُ قدمٍ أبداً في أرضنا، فلا مكان للغرباء، ورأى أن الواجب عليه وعلينا أن نكون النواة الأولى في الجهاد ضد هذا الكيان المغتصب لأرضنا التي سيتبعها أجيال مؤمنة بهذا الطريق وقادرة على إنهاء هذا الكيان الغاصب، فلا ينبغي علينا أن نستسلم في لحظة ضعف مكنت العالم الظالم من إقامة هذا الكيان.
وأمام نضوجه السياسي والعسكري، لاحقته أعين العدو بعد أن اتُّخِذ قرارٌ باغتياله، حتى تمكنت طائرات الاحتلال من رصد السيارة التي كان يستقلها، فاستهدفته ما أدى إلى استشهاده واستشهاد معاونه الشهيد القائد/ ظريف العرعير وذلك في مغرب يوم السادس من شهر تشرين الأول عام 2004م، في ذكرى من أحبهم وسلك طريقهم، في تشرين الدم والشهادة الذي وافق يوم معركة الشجاعية التي ارتقى فيها ستة من أبطال الجهاد الإسلامي عام 1987م، وفي تشرين الشقاقي وفي تشرين شهداء نفق الحرية، رحم الله الشهيد القائد/ أبا جهادٍ ورفيق دربه الشهيد القائد/ ظريف العرعير وجميع شهداء الشعب الفلسطيني.