بقلم/ أحمد المدلل أخصائى ورئيس قسم التحاليل الطبية
وهى رحلة لم تنتهِ بعدْ ، بالرغم من مرور ما يزيد عن ثلاثة اسابيع ، الا أن بعض الاعراض حاضرة وبقوة مثل ضيق النفس الشديد عند القيام بأى مجهود ، جفاف فى الحلق ، ضعف حاسة التذوق والشمّ، صداع يأتى على فترات متقطعة وبعض الاعراض الناتجة عن كثافة العلاجات التى تم استخدمها فى البدايات لكبح جماح فيروس كورونا والذى جاء عنيفا ... وتبدأ الحكاية بعد التطعيم بلقاح الانفلونزا Anti Virus Influenza الذى تلقيته ، وتحليلى الخاص أنه من الممكن أنه كانت لدىّ اصابة خفيفة من فيروس كورونا بدون أعراض تُذكر وتم تهييج وتحفيز الفيروس بفعل التطعيم ، وقد مارست أعمالى بعدها بشكل طبيعى حتى اليوم الثالث عندما عدت الى البيت بأعراض لم تمر علىّ من قبل من ضمنها قشعريرة عنيفة جداً وكأنّ الواح زجاج تتحطم فى جسدى مع تشنجات ومشاكل فى الاعصاب حينها لم استطع تحمّل وضع اصبعى على الجلد ولم تنفع كل الاغطية لوقف القشعريرة وإرهاق عام ، اعتقدت أنها قد تكون قرصة برد قويةأصابتنى ، وكنت أجريت فحص كورونا قبل اسبوعين وكانت نتيجته سلبية ، نصحنى احد زملاءنا الاطباء المهتمين بالبحث حول فيروس كورونا ان أتناول الاكامول واقوم بتدليك الجسم بزيت زيتون دافئ او زيت سمسم ومن ثم حمام ساخن واستخدام قربة ماء ساخن وتمريرها على انحاء الجسم ، صحيح ان ذلك خفّف قليلا من الالام لكنّ الاعراض لم تتوقف مع ازدياد جفاف الحلق وثقل فى اللسان شعرت حينها أنه لا بد من الانتقال للمستشفى و كنت على تواصل منذ بداية ظهور الاعراض مع د مروان الهمص مدير مستشفى الصداقة التركى الذى لم يتوانَ لحظةً فى تقديم اللازم من العلاج والنصائح الطبية منذ اللحظات الاولى من ظهور الأعراض ، ولكن مع اشتداد الاعراض طلبت منه الانتقال لمستشفى الصداقة التركى وقد جهّز مشكوراً كل ما هو مطلوب للتعامل مع حالتى من اطباء وممرضين وأجهزة فحص وعلاجات وأجهزة تنفس وأشعة وأخصائيين من كافة التخصصات ، الوضع كان صعباً وأنا ألاحظ ذلك فى نظرات الحضور من الطاقم الطبى ، وفى لحظات التشخيص والعمل الدؤوب الذى يقوم به الطاقم الطبى لإنقاذ حالتى ، عادت مخيلتى الى الوراء وانا اتذكر من افتقدناهم من زملاءنا العاملين فى الحقل الطبى منذ بداية انتشار فيروس كورونا وحتى قبل أيام قليلة جداً منهم الدكتور وليد عفانة الذى كان حتى أيام قليلة يمارس عمله بكل نشاط وحيوية فى نفس المستشفى الاماراتى التخصصى الذى أعمل فيه وحكيم صديق وعزيز على قلبى عملنا سوياً منذ ثلاثين عاما المرحوم أديب بارود من أروع من عرفنا وتشاركنا سوياً العمل فى الحقل الطبى لسنوات طويلة وقد كُتب على العاملين فى الحقل الطبى أن يكونوا أول المواجهين للفيروس نتيجة الاختلاط الدائم والتماس المباشر والمستمر مع المرضى الذين يتابعون فى المستشفيات والمراكز الطبية ...
كنت قد كتبت كثيرا وتحدثت مطولاً عبر وسائل إعلامية متعددة ولقاءات على منصات اعلامية وخطب ودروس فى المساجد حول خطورة فيروس covid 19 وسرعة انتشاره والذى ضرب المنظومة العالمية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية ولا تزال خطورة الفيروس ضاربة اطنابها فى العمق ، إما من خلال تأثير الفيروس الذى لم يتوقف نشاطه خصوصا فى انتاج سلالات جديدة لا تزال الابحاث جارية حول خطورتها، أو الاعراض المختلفة التى يتسبب بها وقد تحدث الباحثون والاطباء عمّا يقارب ال ٤٨ عرضاً مرضياً يسببها فيروس كوفيد١٩ تختلف من شخص الى آخر ، أو عبر انشغال الدول المتقدمة فى الصناعات الدوائية فى التسابق حول انتاج اللقاحات والذى أسميه "صراع اللقاحات " وما يصدر من شركات الادوية العابرة للقارات حول نجاعة التطعيم الذى تقوم بتصنيعه للحد من عدد الاصابات بفيروس كورونا والتى تجاوزت عالمياً ال ١٠٢ مليونا من الناس فيما عدد الوفيات تجاوزت المليونين ومئتى ألف حالة وفاة فى العالم ولا تزال أعداد الاصابات والوفيات فى تزايد ، والمشكلة الاكبر ما صنعه انتاج هذه اللقاحات من تمايز بين البشر حول أحقية سكان الدول المتقدمة والغنية بالحصول على اللقاحات فيما سكان الدول الفقيرة سيتأخر حصولهم عليه كثيراً ، والابتزاز الذى يتم ممارسته من قبل الامبريالية العالمية ضد الشعوب المستضعفة حول تصدير اللقاحات الى هؤلاء ، وما يمارسه العدو الصهيونى من ابتزاز علنى ومماطلة ضد الفلسطينيين بادخال تطعيم فيروس كوفيد ١٩ للشعب الفلسطينى . ما يمكن قوله بعد رحلة المعاناة المريرة مع فيروس كوفيد ١٩ أنه ليس من الفيروسات العادية التى تأخذ فترة حضانتها وتتلاشى ، بل إنه جائحة أصابت البشرية فى كافة أماكن تواجدها ، ولا تزال لها مفاعيلها التى غيّرت مجرى حياة البشر ، وما هو مؤكد وقد عشته أن تأثيرَ الفيروس وحِدّتَه فى جسم الانسان يعتمد على عاملين أساسيين :
أولاً -جرعة الفيروس التى يتلقاها الانسان وهى تتفاوت بين الخفيفة التى تمر مرور الكرام بأعراض بسيطة وتتلاشى مع بعض العلاجات الطبية التى ينصح بها الطبيب او العلاجات البديلة كالاعشاب وغيرها وقد تكون الجرعة ثقيلة تُدمّر الجهاز التنفسى وتؤثر على عمل باقى اجهزة الجسم والتى من الصعب علاجها وتؤدى الى الوفاة وهذا ما يؤكده العالِمُ إيرين بروماغ، أستاذ علم الأحياء في جامعة ماساتشوستس الأميركية،
أن جرعة فيروس كورونا التي يتلقاها الشخص تحدث فرقاً بين ظهور الأعراض أو الإصابة بمرض خفيف أو الإصابة بالمرض بشكل خطير، الأمر الذي يعد مفيداً في كيفية الحماية من «كوفيد - 19» .
-ثانياً :جهاز المناعة لدى الشخص المصاب بالفيروس ولا يعتقد أحدنا بأنه صاحب حيوية ونشاط ، قوىُّ البُنية مفتول العضلات ورياضى وانه يتناول الأغذية التى تقوى جهاز المناعة ويحافظ على جسده قوياً أنه أصبح فى مأمن من الإصابة أو خطورة فيروس كوفيد ١٩ المستجد ، وسمعنا جميعا عن الاعداد الكبيرة من الرياضيين الذين أصيبوا بفيروس كورونا بل إن عدداً منهم ماتوا بسبب الفيروس ولا تزال الابحاث جارية حول جدلية العلاقة بين الجهاز المناعى لدى الانسان وفيروس كورونا covid 19 المستجد ، فلا يستطيع أحد تحديد قوة مناعته بنفسه .
أمام كل ما سبق ، يبقى المطلوب منّا فقط اتخاذ كل ما نستطيع من أسباب الوقاية والحماية من الإصابة بفيروس كورونا ، وهى أصبحت إجراءات معلومة للجميع من كمّامة وتباعد جسدى والحرص على عدم الاختلاط وأمور أخرى لم تتوانَ وزارة الصحة بمساندة الوزارات الأخرى فى نشرها وتوضيحها ، وبعد الأخذ بكافة الاسباب ، يبقى التوكل على الله واللجوء اليه وكأن الأسباب لا شئ ، ولا يحدثُ فى مُلكِ الله إلّا ما أراده الله ...