كتبت بهية النتشة زوجة الأسير ماهر الهشلمون في يوم ميلاده، الذي يصادف اليوم الأربعاء، 10 مارس، رسالة إلى زوجها القابع في سجون الاحتلال الاسرائيلي.
واهدت النتشة زوجها لوحة من رسوماتها بها صورته والأقصى.
نص الرسالة:
قررت أن أهديك ساعات من عمري وجزء من روحي عندما قررت أن أهديك هذه الرسمة، أردت أن أقول لك كل عام وأنت بخير بعدد الساعات التي قضيتها في رسم هذه اللوحة والتي كنت أحسبها لتعرف حجم هذا الحب في قلبي وعدد الساعات التي مضت وأنا أفكر فيك، والأيام التي نمت فيها بعد سهر أضغط على يدي المتعبة وأحاول تسكين مفاصلي ورقبتي التي آلمتني بعد الانحناء والتركيز، احتجت لاتمام هذه الهدية عشر ساعات، كنت سعيدة وأنا أبذل لك من روحي وطاقة جسدي ما بذلت، سعيدة بالساعات التي كنت أمضيها معك رغم غيابك، خاصة أنك كنت تعاني من آلام شديدة في تلك الأيام بسبب كورونا اللعينة، وتقصير المقصرين، وخذلان المتخاذلين، وانقطاع أخبار الصفقات واللقاءات والمباحثات، وظلم السجان الجائر، وبعدي عنك، متأكدة أنا أنك تمنيت لو أنني بجانبك أعد لك شوربة ساخنة أو آتيك بحبة دوائك وأنت بالسرير، فالمريض يحتاج دفء عائلته حوله، يحتاج مع حبة الدواء، أرواحاً دافئة تحفه وتسكن ألم روحه وجسده، في كل مرة كنت تشكو لي شدة المرض كنت أرغب أن أخفف عنك بإخبارك عن ما أحضر لك، قاومت نفسي كثيراً ألا أخبرك، خاصة أنك كنت في أشد الحاجة لما يخفف عنك ألم السجن والمرض والبعد والقهر!
اخترت أن ارسمك مع ما أحببت أكثر مني، فرسمتك مع معشوقتك الأولى التي لم أغر منها يوماً، أو أفكر أن ألومك على تركي لأجلها، بل وإني أذكر تماماً أنني وفي أول أيام تلقي خبر العملية التي قمت، بها أنني قلت: " لن أدعه يأخذ الأجر وحدة في هذا، كنا شركاء لمدة ثمانية أعوام في كل شيء، وعلى هذا سنبقى" رسمت الطريق الذي تهفو نفسك دائما أن تسير به نحوها، نحو القدس، ممر العشق الذي لأجله تركتني، والذي قررت أن تترك لأجله كل ما تعلقت به، حبيبتك وأم أولادك، أولادك الصغار الذين هم بأمس الحاجة إليك، والداك اللذان لن يعوضهما شيء في الدنيا لغيابك عنهم، أسفارك ونجاحاتك، وأحلامك وطموحاتك التي كانت لا تنتهي، فقد كان لك في كل يوم حلم وغاية، وفي كل ساعة هدف وأمنية، تطالع المستقبل الباهر من النجاحات المتتالية على كافة الأصعدة.
مع كل ضربة فرشاة كنت أبتسم، أتخيل رد فعلك على هدية كهذه، أنت والقدس، معاً في لوحة، لوحة وضعت فيها روحي لأجلك، جزء مني هناك، جزء من أيام عمري أيضاً، هدية كهذه لن تقدر يوماً بثمن، لا لأنها متقنة حد الاحتراف، ولا لأن من رسمها فنان معروف، بل لأن من رسمها هو قلب محب، محب حقاً، قلب صابر( نحسبه كذلك عند الله) ذاق مرارة الصبر ولوعة الفراق، قلب قرر بعدما عرفه كثير من الناس أن ينسحب من عالم التواصل والإعلام، ليكون لك وحدك، قلب اعتزل العالم وسكن قلب ماهر، ينتظر يوم الفرج القريب الذي لم نفقد الأمل بقربه يوماً، كنت أتخيل بعد حريتك أين ستقرر تعليقها، في بيتنا أم في شركتك التي دائماً تحلم بها، سيكون لها بعد الحرية ذكرى جميلة، أعدك بذلك!
أما عن ملامحك في هذه اللوحة، فقد اخترتها بعناية، تأمل الكثير من صورك لأختار، فاخترت أن لا تكون مبتسماً، رغم أن ابتسامتك الساحرة لطالما أسرتني، وأسرت كل من التقاك، فأنت ماهر المبتسم بطبعك، هي صفة غالبة فيك، عُرفت بها واشتهرت، أحبك كل من شاهد هذه الابتسامة القوية التي لا تهزم، لم استطع أن أجعلك مبتسماً، فقد كنت في هذه لوحتي هذع تطالع بترقب، تطالع الأفق البعيد تبحث عن نور في سماء القدس، تنتظر من ينتشلك من سجنك البعيد، وغربتك عن عالم الشهود، ومرضك بكوفيد ١٩، وظلم السجان وتخاذل المتخاذلين، رسمتك مترقباً حالماً تنتظر من ينهي هذا العذاب الذي أصابك منذ سبع سنين، عيناك تتسائل، ألن يأت صلاح الدين؟ ين هو؟ ما الذي أخرك كل هذا يا أمير، للحق صولات وجولات، يعارك الباطل في كر وفر و سجال، ولكننا نعرف أن الحق منتصر، مهما طال زمن الصبر والتصبر، والانتظار والتحمل، فأنتم لأسرى، أنتم الحق، الحق الظاهر الساطع الذي لا ينطفئ، أما آن لكم أن تتصروهم فننتصر!