غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

المُفاضلة بين القيم

المقاومة أم دعم الفقراء؟

محمد مشتهى.jpg
بقلم/ د. محمد مشتهى

إنه لمن الخطأ الكبير وعدم الفهم هو المفاضلة بين قيمة وأخرى، حيث يذهب أحدهم على سبيل المثال: للمفاضلة بين قيمة الإعداد والتجهيز لمقاومة الاحتلال، وقيمة إطعام وتعزيز صمود الناس، ثم يتم الايحاء للناس بأن قيمة إطعام الناس أفضل من تعزيز قدرات المقاومة، وإن هكذا تخيير ومفاضلة بين القيم هو معيار خاطئ بالأساس، لأنه لا يجوز المفاضلة بين قيمة وأخرى، فتعزيز صمود الناس بحاجة إلى مقاومة، والمقاومة بحاجة لتعزيز صمود الناس، وبالتالي القصة تكاملية وليست تفاضلية.

 

عبر التاريخ كان الاستعمار يحرق الحقول والمزارع ويدمر المنشآت والبنى التحتية ويقصف القرى والمدن ويقتل آلاف البشر، ولم يكن كل ما سبق مبررا لوقف المقاومة، وإلا لما قاتل أحد أي محتل!!، ومع أهمية قيمة تعزيز صمود الناس إلا أنه يقابل ذلك أهمية قيمة الإعداد والمقاومة.

 

إقرأ أيضا

إذن عندما يذهب البعض للمفاضلة بين الإنفاق على الاعداد للمقاومة أو دعم الفقراء والمحتاجين، وأن هناك مبالغة في جانب على حساب جانب آخر، مع أن كلاهما مهم، لكن الضابط الأساس لعدم اختلال الميزان بين القيم ليس الإنفاق على المقاومة أو على الفقراء، وإنما العدالة في التوزيع وألا يكون المال متجمِّع بيد أشخاص معدودة يعتبرون أنفسهم من أصحاب الحظ في المجتمع أو في التنظيم أو في المؤسسة.

 

لماذا تكون ميزانية وزارة الدفاع والانفاق على الجيش في الدول مرتفعة؟ لأن كل دولة أمامها تحديات، وفي حال تم نزع أو عدم الاهتمام بقيمة المقاومة فلا قيمة للصحة ولا قيمة للاقتصاد ولا قيمة للتعليم، وكل القيم تصبح في خطر في خصوصا في حال الاستعمار والاستبداد.

 

في الدول عموما (خاصة في حالة الحرب) كل امكانياتها تُجيَّر للمعركة، فالصحة تتحول لخدمات عسكرية، وكذلك الاعلام يرتدي الزي العسكري ثم يخضع للرقابة العسكرية، والاقتصاد يتحول لاقتصاد حرب، وتتم عسكرة المجتمع بأسره ويصبح كل المجتمع في خدمة العسكر، هذا في الدول غير المحتلة فما بال الشعوب المحتلة!!! لذلك نحن كشعب تحت الاحتلال من أحوج الناس لأن يكون كل ما نملك من أجل المقاومة لدحر الاحتلال، لأن كل شيء ليس بخير في وجود الاحتلال، وهذا لا يعني أو انكار أهمية تعزيز صمود الناس في ظل الاحتلال، بل هذا أمر أساسي،  لكن بشكل عام المجتمعات عندما تحدث فيها الأزمات مطلوب التقنين في النفقات، وأيضا مطلوب مواجهة أغنياء الحرب الذين يتاجرون بقوت الناس، لذلك في الحروب يتم إعدام من يتاجر ويحتكر قوت الناس، وبعد التقنين في النفقات ومواجهة أغنياء الحرب مطلوب من الناس أن تتحمل حتى لو استمر الحال لسنوات طويلة، لأن طبيعة الشعوب المحتلة ومن أجل الخلاص من الاحتلال هي شعوب مضحية، والاهم من ذلك كله مطلوب أن يدرك ويعي المجتمع بأن الانسان المناضل والمجاهد والحزبي هو أول من يضحي وأول من يعطي وآخر من يأخذ، أما عندما يصبح أول من يأخذ عندها ستَنفَضّ الناس من حوله، وفي الحروب والبلدان المحتلة الأصل هو أن يتم ضرب المثال في المسؤول بأن يكون أكثر الناس حرصا على المال العام وأكثر حرصا على التوزيع العادل، ولنا في رسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما ربط حجرين على بطنه بينما كان الصحابة يربطون حجر واحد على بطونهم.

 

لذلك ادعاء هؤلاء الاشخاص بأن ما يتم انفاقه على العتاد العسكري والمقاومة وأن الفقراء أولى به، نقول لهم: المطلوب هو محاربة ونزع الفساد والمفسدين من المجتمع بكافة مؤسساته المدنية والتنظيمية وترسيخ قيمة العدالة في التوزيع للثروات التي بالأصل هي متواضعة بدلا من الذهاب للمفاضلة بين قيمة المقاومة وقيمة إطعام الفقراء، لذلك في الدول المحتلة مطلوب أن توجَّه الامكانيات للعسكر والمقاومة، وما يتبقى من إمكانيات في حال تم نزع منها الفساد ووزعت بشكل عادل ستجد الكل سيكتفي ولو بالقليل، لأن الكل أصلا جزء من منظومة التضحية ومنظومة المقاومة، فاقتصاد الحرب يختلف عن اقتصاد الرخاء، لذلك نحن مطالبين بتفعيل اقتصاد الحرب على مستوى المجتمع وعلى مستوى التنظيمات والكل مطلوب أن يستشعر هذا الأمر.

 

وحتى يتم تعزيز صمود الناس في المجتمع مطلوب بحث هذا الأمر بكل عمق، وإن من يذهب للمفاضلة بين القيم هو يكون لديه نقص في منظومة القيم، فلا يجوز مثلا: أن يدّعي شخص أنه يدعم قيمة النضال وهو في نفس الوقت يسرق قوت الناس!! لا يستويان

 

من منظومة القيم مثلا: الأمانة، وكذلك النضال، ولا يجوز المفاضلة بين الأمانة والنضال، فكلاهما مهم، ولا يجوز اختيار النضال وترك الامانة لأنه عندها سيصبح المناضل حرامي، وهذا غير منسجم، يقابل ذلك ايضا لا يجوز المفاضلة بين تعزيز المقاومة وإطعام الفقراء، فكلاهما مهم ومطلوب، ومنظومة القيم هي شبكة واحدة متماسكة ولا يمكن الفصل بينها، واذا سقطت قيمة سقطت باقي القيم، فلا يستقيم مثلا: أن يكون شخص يُعلي قيمة الأمانة وفي نفس الوقت يكذب، لكن عندما يكون الشخص يُعلي قيمة الأمانة وقيمة الصدق فإن منظومة القيم لديه تكون منسجمة مع بعضها البعض.

 

المجتمعات عامة مطالبة بتقديم كل الدعم لجيوشها، وعلى المستوى الفلسطيني هناك ضرورة للتأكيد على أهمية دعم المقاومين والمقاومة شعبيا وتنظيميا، وكل الدعم والامكانيات مطلوب أن توجَّه لها، فقيمة المقاومة لا يمكن مفاضلتها مع قيمة أخرى، وهي تعلو على منظومة القيم كلها، لأنها تحميها، وصحيحٌ أن الكل مستهدف لكن العسكري المقاوم هو المستهدف الأول من العدو، وهو من يُستشهد ويُقصف بيته، وهو يُعرٍِِّض نفسه للمخاطر، فكل التحية لهذا العسكري المقاوم الذي يقف على خط النار ليحمي الأرض والعرض، والله عز وجل قال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)، والرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر أن ذروة سنام الاسلام هو الجهاد في سبيل الله، والله عز وجل وعد الناس بالخير الكثير في حال دعمت وحرصت على الجهاد والمقاومة كما قال الله عز وجل: (انفِروا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّـهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ)، والله عز وجل كرَّم كل من يُعلي قيمة الجهاد وقيمة المقاومة وقيمة النضال، ففي حياته يعيش بعزة وكرامة وأنفة، وعند مقتله سيعيش حياة أخرى هانئة كما قال عز وجل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

 

إن مَن يُفاضِل بين قيمة وأخرى أو مَن يتنازل طواعية عن قيمة واحدة، أعتقد بأنه سيتنازل عن قيمة اخرى ثم قيمة أخرى ثم قيمة أخرى، ثم سيتنازل عن كل القيم تباعا، ثم بعد حين سيجد نفسه بلا قيم، فالانسان هو عبارة عن منظومة من القيم، لذلك مطلوب العض على النواجذ على قيمة المقاومة من اجل الحفاظ على منظومة القيم كلها من أجل إنسان سوي ومحترم في المجتمع.

 

المقاتل والمقاوم هو جزء من المجتمع له أم وأب وأبناء وأسرة، وإن تعزيز المقاتل هو أيضا تعزيز للمجتمع، وإن المطالبة بإسقاط قيمة على حساب قيمة أخرى هي أشبه بمن يطلب من شخص بأن يكون أمين وكاذب في نفس الوقت، والأصل أن يطلب منه أن يكون صادق وأمين، وإن اسقاط القيم هو بمثابة الهبوط التدريجي في منظومة القيم.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".