بقلم: رهام عودة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول عدم إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية وذلك في حال رفضت حكومة نتنياهو إجراء تلك الانتخابات في القدس.
وتُعد القدس العاصمة المقدسة للدولة الفلسطينية وشعبها، لذا لا يمكن لأي قائد فلسطيني أو فصيل فلسطيني التخلي عن مبدأ إجراء الانتخابات بالقدس، لأن ذلك سيكون بمثابة اعتراف ضمني من الفلسطينيين بأن القدس تابعة "للدولة الإسرائيلية"، وعندئذ سيتم اتهام "القيادة الفلسطينية" بأنها تنازلت عن القدس بكل سهولة مقابل تجديد شرعيتها عبر الانتخابات الفلسطينية.
وتعي "إسرائيل" جيدا مدى أهمية القدس بالنسبة للفلسطينيين، لذا تستخدمها كورقة ضغط لإجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات في ملف محكمة الجنايات الدولية، حيث لن تستطيع أي قيادة فلسطينية الموافقة على اجراء الانتخابات الفلسطينية بدون القدس، الأمر الذي سيشكل سببا وجيها لتأجيل تلك الانتخابات حتى إشعار آخر، وبالتالي يتم حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة الديمقراطية إلى أجل غير مسمى.
ومن الجدير بالذكر أن الفلسطينيين لم يمارسوا حقهم الديمقراطي لاختيار قادتهم منذ نحو 15 عاما بسبب الانقسام الفلسطيني، فقد ذاق الشعب الفلسطيني خلال تلك الأعوام السابقة مرارة النزاع الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وعانى سكان قطاع غزة بالذات من قسوة الحصار والحروب والبطالة والأزمات الاقتصادية والإنسانية المتعاقبة.
لقد ضاعت بالفعل أحلام الشباب الفلسطيني في الحصول على مستقبل مشرق بسبب الانقسام الفلسطيني، الأمر الذي جعل صدور مرسوم رئاسي خلال شهر يناير من العام 2021، حول إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية يُشكل بارقة أمل جديد للشعب الفلسطيني لإنهاء حقبة زمنية مظلمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وتوحيد الإدارات الحكومية المنقسمة في كل من غزة والضفة الغربية، وإعادة فتح المعابر المغلقة، وفك الحصار عن قطاع غزة، والسماح للشعب الفلسطيني لممارسة حقه الديمقراطي لاختيار من يمثله ويحكمه.
لكن للأسف كل تلك الآمال والأحلام الشعبية، ستذهب مع الريح، في حال تم تأجيل الانتخابات الفلسطينية لأجل غير مسمى بسبب تعذر إجرائها بالقدس.
ويمكننا القول، بأنه في حال أعلنت إسرائيل رفضها الرسمي لإجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، سيعدُ ذلك بمثابة تدخل إسرائيلي صارخ في مستقبل الشعب الفلسطيني، حيث لا يجوز لـ "إسرائيل" أو غيرها أن تتدخل في الانتخابات الفلسطينية، حتى لو بطريقة غير مباشرة عبر مثلاً، منعها للسلطة الفلسطينية لعقد الانتخابات في القدس، فما الذي يمنع "إسرائيل" من الموافقة على إجراء الانتخابات بالقدس مع استخدام نفس آليات تنظيم الانتخابات السابقة التي تمت في القدس خلال عامي 1996 و2006؟
هل تخشى إسرائيل أنه في حال تم إجراء انتخابات فلسطينية، أن تفوز حركة حماس وتسيطر على الضفة الغربية مثلما فازت بالسابق وسيطرت على قطاع غزة؟
إن كان ذلك ما تخشاه إسرائيل، فلتفز حركة حماس، وليجرب أهل الضفة الغربية حكمها مثلما فعل الغزيين وليس لـ "إسرائيل" أي شأن في قرارات الشعب الفلسطيني وفي مصيره وفيمن يحكمه أو لا يحكمه!
ليختار الشعب الفلسطيني قادته بكل حرية، وليتحمل الشعب الفلسطيني بأكمله نتيجة تصويته، ونتيجة قراراته سواء كانت إيجابية أو سلبية، فهل تعتبر "إسرائيل" نفسها وصية على الشعب الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية؟
ليتم منح الشعب الفلسطيني كامل الحرية ليشارك في عملية ديمقراطية توقفت منذ أكثر من عقد من الزمن، بينما إسرائيل نفسها منحت شعبها الحق في المشاركة بأربع جولات انتخابية في غضون عامين فقط!
بالفعل هناك تناقض كبير عند حكومة نتنياهو التي تسمح لشعبها بممارسة الديمقراطية بشكل مكثف، بينما تعرقل ديمقراطية الشعب الفلسطيني عبر تدخلها غير المباشر، ومحاولتها إعطاء مبرر قوي للقادة الفلسطينيين لتأجيل الانتخابات بسبب تعذر إجرائها في القدس.
إسرائيل نفسها من لعبة الانتخابات الفلسطينية، ولتسمح بإجراء الانتخابات في القدس مثلما فعلت بالسابق، فالموضوع لا يتعدى كونه مجرد إجراءات لوجستية لا تحتاج للكثير من المبالغات الإسرائيلية، وليتُرك الشعب الفلسطيني يقرر مصيره بنفسه، ويتحمل كما فعل بالسابق نتيجة قراراه مهما كانت النتيجة، فقد أثبت التاريخ أن الشعوب العربية لا تتعلم سوى من خلال تجربتها العملية مع حكامها، وليس من خلال قراءتها لتجارب الآخرين أو من خلال توجيهات الحكومات الاستعمارية.