بقلم/ د. هاني العقاد
إذا كانت "إسرائيل" تراهن على ان الرئيس ابو مازن لا يستطيع الرجوع عن المرسوم الرئاسي الذ ي اصدره في 20 فبراير الماضي بخصوص الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني فإنها مخطئة، وإذا كانت "إسرائيل" تعتقد ان الفلسطينيين سيجبرون على اجراء الانتخابات دون القدس فإنها مخطئة في حساباتها أيضا، وإذا كانت "إسرائيل" تعتقد ان الفلسطينيين سيقبلون فرض القانون "الإسرائيلي" على القدس وقلع الوجود الفلسطيني هناك فإنها مخطئة كثيراً.
التقديرات "الإسرائيلية" الاولية بخصوص الانتخابات في القدس تقول ان عدم اجراء الانتخابات في القدس قد يلهب المناطق الفلسطينية، لذلك فان الجيش الاسرائيلي يتخذ الان من الاستعدادات ما يكفي لإخماد اي مقاومة شعبية تتفجر في القدس او قراها او احيائها بل والضفة الغربية بكل مدنها ووقراها وحافظاتها.
ينكر "الجيش الإسرائيلي" حتى الان ان انتفاضة حقيقية تدور رحاها الان في القدس وفي كل احيائها امتداد من سلوان حتى جبل المكبر من الدهيشة الي باب العمود الي حي المصرارة الي باب الواد هي ساحات حرب حقيقية خاصة بعد الدعوات المتطرفة من قبل المستوطنين "الإسرائيلية" بحماية الجيش لقتل العرب وترحيلهم من المدينة المقدسة.
معركة حقيقية تدور رحاها بين الفلسطينيين و"الجيش الإسرائيلي" اليوم حتي قبل رمضان لكن هذه الحرب ارتفعت وتيرتها في رمضان لان اسرائيل تعمل من خلال عقيدة انها القوة المسيطرة علي المدينة المقدسة وهي التي ستتحكم في كل شيء حتي اعداد المصلين الذين يأتوا للصلاة في رمضان بالمسجد الأقصى فقامت منذ بداية رمضان بأعمال مثل قطع اسلاك مكبرات الصوت على المآذن والتنغيص علي المصلين واقامة الحواجز الحديدة علي مداخل الأقصى لتدلل علي انها لا ترغب لان يكون للفلسطينيين حضور كبير في رمضان بالمسجد الأقصى وباحاته وبالتالي اعاقة الفلسطينيين احتفالاتهم ومراسيم احياء رمضان من افطارات جماعية وسحور وابتهالات وندوات وعقد حلقات قرانيه ما الي غير ذلك , هذه المعركة تدلل علي ان "الإسرائيليين" ليس في نتهم السماح للفلسطينيين باي شكل من الاشكال ممارسة اي شكل من اشكال السيادة الفلسطينية هناك في المدينة المقدسة لا انتخابات ولا غيرها، فعمدت خلال الفترة الماضي لإيصال رسائل مهمة للقادة الفلسطينية من خلال اعتقال مرشحي القوائم الفلسطينية للانتخابات التشريعية واستعراض القوة في القدس .
الانتخابات في القدس من أحد اهم الثوابت السياسية الفلسطينية خاصة ان التفاهمات والاتفاقيات الموقعة مع الإسرائيليين سمحت لهم اجراء هذه الانتخابات ثلاثة مرات منذ اتفاقية اوسلو حتى الان. لكن المتغير اليوم ان اسرائيل تعتبر قرار ترمب في ديسمبر 2017 الذي أعلن ان القدس عاصمة لدولة الكيان الغي كل الاتفاقات والتفاهمات فيما يخص حقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية بل كل الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة ولم يعد للسلطة الفلسطينية ولا لمنظمة التحرير اي ثميل سياسي هناك وبذات منذ ذلك الوقت تحارب اي شكل من اشكال التمثيل او الوجود على الارض حتى ان محافظ القدس تم اعتقاله وتحذيره من ممارسة ان نشاط باسم السلطة الفلسطينية.
القضية الآن اصبحت معركة وجود فإما ان يستطع الفلسطينيين اجراء انتخاباتهم في القدس واما فانه لا انتخابات في كل المناطق الفلسطينية واسرائيل تتحمل المسؤولية المباشرة عن اعاقة المسيرة الديموقراطية الفلسطينية، اما ان يجري الفلسطينيين انتخاباتهم في القدس ترشحا وانتخابا واما فان القدس ستلتهب الى ان يقتنع "الإسرائيليين" انهم لن يستطيعوا وحدهم ان يقرروا مستقبل المدينة المقدسة بالرغم من الحرب التي تخوضها اسرائيل اليوم في الاجهاز علي اكبر قدر ممكن من العقارات والأراضي واقامة مئات الوحدات السكنية علي حساب الوجود العربي الفلسطيني هناك .
كل عوامل الضغط الدولي والأمريكي على "إسرائيل" حتى الان لم يأتي برد ايجابي حول اجراء الفلسطينيين انتخاباتهم في المدينة المقدسة ومازالت اسرائيل تتجاهل تماما التعرض سياسيا لهذا الموضوع وكان الامر لا يعنيها ويمثل اي عامل استقرار في المنطقة.
الولايات المتحدة قالت ان اجراء الانتخابات امر فلسطينيين خاص وقالت وزارة الخارجية الامريكية مؤخرا لا تغير على الموقف الامريكي وهو موقف ثابت مفاده أن إجراء انتخابات ديمقراطية هو أمر متروك للحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتحديده، الأمر ليس متروكاً لنا وكان امريكا تريد ان تقف على الحياد الان وتترك الامر للطرفان الا ان بريطانيا وايرلندا أعربوا عبر مندبيهما في مجلس الامن عن تطلعهما لانتخابات فلسطينية عادلة ونزيها وطالبوا "إسرائيل" ان تسهل هذه الانتخابات في القدس.
لن تكترث "إسرائيل" للمجتمع الدولي ولن تصغي لكل الاصوات التي تنادي بتسهيل اجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس بل ولن تكف عن التدخل في هذه الانتخابات بطرق ماكرة وشريرة.
لا اعتقد ان تسمح اسرائيل للانتخابات الفلسطينية ان تجري في القدس وما يعنيها ان ينفذ الفلسطينيين انتخاباتهم في الضفة والقطاع فقط وبالتالي تكون قد احدثت سابقة خارج كل التفاهمات والاتفاقيات بان الفلسطينيين لا شان لهم في القدس ولا فلسطينيين يمتلكون الهوية الفلسطينية ولهم ارتباط فلسطيني في القدس , لذلك اتمن ان تستمر عملية اجراء الانتخابات مع التركيز علي القدس وعند اعاقتها ومنع الحملات الانتخابية والتعرض للمرشحين واعاقة عمل المراقبين الدوليين ومنع لجنة الانتخابات من العمل لابد من تأجيل الانتخابات في كل الارض الفلسطينية فورا من خلال مرسوم رئاسي عاجل بكلمة من الرئيس ابو مازن للعالم يحمل فيها الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الفوضى التي ستحدث علي اثر منع الانتخابات في القدس، وهنا يستطيع الفلسطينيين احراج "إسرائيل" امام المجتمع الدولي باعتبار انها مارست القوة العسكرية واعاقت الديموقراطية الفلسطينية واشعلت المناطق الفلسطينية واولها القدس العربية واحيائها وحواريها وقراها .