قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بيوم واحد دعا صحفي بجريدة “الحياة الجديدة “زملاءه الصحفيين والعاملين بمقر الجريدة الكائن في برج الشروق بحي الرمال وسط مدينة غزة الى وليمة إفطار جماعية، وبعد الاستفتاء على تحديد هذا الموعد حيث كان مقترحا أن يتم هذا اللقاء بعد عيد الفطر، ولكن إرادة ما دفعتنا للقبول بهذا الموعد وتلبية الدعوة رغم الانشغالات الكثيرة خاصة في العشرة الأخيرة من شهر رمضان التي تزدحم فيها المواعيد والالتزامات العائلية.
جرى اللقاء وكانت الأجواء حميمية تشارك الجميع فيها، وجبة الإفطار والضحكات والذكريات والأمل بغدٍ أفضل. تناول العاملون بالجريدة وجبة الإفطار على مكاتبهم المتواضعة التي شاركتهم رحلة تجاوزت العشرين عاما وشهدت معهم وعليهم في التفاني والإخلاص والعطاء في العمل والتمترس خلفها في أصعب الظروف التي شهدها قطاع غزة من انقسام بشع هدد الجريدة بالإغلاق وحروب ثلاث نجت منها بأعجوبة، لم يتسرعوا بالرحيل وجلسوا يتسامرون على فنجان قهوتهم المعتاد وكأنهم يودعون المكان.
انصرف العاملون بالجريدة لوجهاتهم على وعد بلقاء، وفي اليوم التالي بدأ العدوان الإسرائيلي على القطاع وكالعادة وبالتجربة تهيأ الجميع لجولة التصعيد الجديدة والعمل تحت الضغط وأصعب الظروف وقلة الإمكانيات، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفا عن المرات السابقة حيث بدأت تسري أخبار منذ اليوم الأول مفادها نية طائرات الاحتلال الإسرائيلي قصف برج الشروق، وبالرغم من ذلك مارس طاقم "الحياة الجديدة" عمله بالجدية المعهودة وتغطية العدوان الإسرائيلي بجميع تفاصيله.
في اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي بدأت طائرات الاحتلال باستهداف أبراج مدينة غزة ومنها برج هنادي غرب المدينة وبرج الجوهرة وسطها ومازال طاقم "الحياة الجديدة" يقوم بعمله الصحفي وعيونه على برج الشروق مقر الجريدة الذي يحمل بين جدرانه أجمل ذكرياتهم وعاصر شبابهم ورحلتهم الطويلة في الحياة والعمل الصحفي.
عصر اليوم الثالث للعدوان تلقى حارس برج الشروق اتصالا من جيش الاحتلال يخبره بعزم طائراته قصف برج الشروق، ومع تأكيد الأخبار وتواترها كانت الصدمة كبيرة ليست فقط على طاقم "الحياة الجديدة" بل على معظم سكان مدينة غزة لخصوصية برج الشروق وجريدة الحياة الجديدة التي طالما كانت قبلة للصحفيين والمثقفين والأدباء وأصحاب الرأي ، وفيها تلقى مئات الصحفيين والصحفيات تدريباتهم الصحفية وفنون العمل الصحفي،ولم تغلق يوما بابها في وجه أحد ولم يتقاعس يوما طاقمها في خدمة الوطن والمواطن حتى وقتنا هذا.
الصحفيون الذين قاموا بتغطية العدوان الإسرائيلي على برج الشروق بمن فيهم طاقم جريدة "الحياة الجديدة" عيونهم ذرفت الدموع على سنوات قضوها في هذا المكان كانت أسعد فترات حياتهم وعملهم تعرفوا فيها على الكثير وفارقوا خلالها الكثير فبالنسبة لهم الأماكن تموت أيضا وليست جمادا، برج الشروق الذي تم تدميره في جولة التصعيد الأخيرة صمد قبلها في وجه ثلاثة حروب وأبى أن ينهزم، وكان شاهدا على جرائم الاحتلال وبداخله كانت توثق كل هذه الجرائم، وربما لهذا استهدفته طائرات الاحتلال في هذه الجولة، فهو مقر لعشرات وكالات الأنباء والصحف، ومجمع هائل للمحال التجارية ويقع في شارع عمر المختار أهم شريان اقتصادي في القطاع.
لم يكن برج الشروق لقاطنيه مجرد حجارة وجدران متراصة ووجهات زجاجية يرى من خلالها جمال مدينة غزة، وإنما كان حاضنة لحياتهم وأحبائهم وقصصهم وصداقاتهم وزملائهم في العمل وشركاهم في الحياة، كان شاهدا على أحلامهم وطموحاتهم ولقاءاتهم وشغفهم وانتكاستهم ونهوضهم، لم تسقط طائرات الاحتلال برج الشروق فحسب وإنما اسقطت معه اللمة والذكريات الجميلة لطاقم "الحياة الجديدة".
المصدر: الحياة الجديدة (عماد عبد الرحمن)