بدت ملفات الفساد التي يحاكَم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو هامشية وليست ذات قيمة في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي عقب الإطاحة به وتشكيل حكومة بديلة برئاسة نفتالي بينيت، في ظل ترجيح أن محاكمته ستستغرق سنوات دون حسم.
وتميل الرياح لصالح نتنياهو خاصة مع عدم وجود أغلبية في الكنيست مؤيدة لتشريع قوانين تمنع من أدين بالفساد من تشكيل حكومة في المستقبل.
وفي تصريحات تعكس ملامح الصراع على مستقبله السياسي سواء داخل معسكر اليمين أو حتى داخل حزب الليكود أو قبالة الجهاز القضائي والمحاكم الإسرائيلية، يتعمد نتنياهو ترديد مقولة "سأعود قريبا"، مصرّا على العودة لرئاسة الوزراء عبر ترؤس كتلة المعارضة وإسقاط الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن.
وبشعار "سأعود قريبا" يرمي نتنياهو، الذي أطيح به بعد 12 عاما من تربعه على كرسي رئاسة الوزراء دون منازع، إلى ترسيخ ذاته في العقلية الإسرائيلية بأنه ما زال قويا ويتمتع بشعبية وتعزيز لقبه "ملك إسرائيل" و"منقذ إسرائيل" من أي مخاطر وتحديات أمنية وعسكرية.
ويقدّر محللون وناشطون أن نتنياهو حسم معركة الوعي والذاكرة الإسرائيلية لصالحه فعلا. غير أنه، وفي طريق العودة لرئاسة الحكومة، يواجه صراع القيادة الخفي على رئاسة حزبه "الليكود"، حيث يُتوقع أن ينافسه كل من رئيس بلدية الاحتلال السابق في القدس نير بركات، ووزير الصحة السابق يولي إدلشتاين، ووزير المالية السابق يسرائيل كاتس.
صراع وإحباط
وفي المعركة على وعي الناخبين الإسرائيليين، يعتقد المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير أن نتنياهو يسعى إلى إحباط أي محاولة للتمرد عليه أو منافسته على رئاسة الليكود، عبر مبادرته لإجراء انتخابات تمهيدية فورية استباقا لأي اصطفافات أو تحالفات تطيح به من رئاسة الحزب.
وأوضح كلير، في حديثه للجزيرة نت، أن نتنياهو يريد استباق الأحداث والقيام بخطوات مفاجئة وهو ما زال في قوته وهيمنته لتدعيم مكانته داخل الليكود وسيطرته على قيادات فروع الحزب في البلاد لتفويت أي فرصة على منافسيه، كونه يعي أن الإطاحة به من رئاسة الليكود يعني الغياب عن المشهد السياسي الإسرائيلي وقضاء سنوات في أروقة المحاكم بتهم الفساد.
وبالتوازي مع الصراع الخفي داخل حزبه، يقول المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" إن نتنياهو صعّد من جهده لتفكيك المعسكر المناوئ له وتدعيم معسكر اليمين مجددا تحت قيادته، وممارسة الضغوط لشق حزب "يمينا" برئاسة رئيس الحكومة الجديد بينيت، وكذلك حزب "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، وذلك لتسريع إسقاط الحكومة، مع مواصلة التشكيك في المسار القضائي والترويج بين الإسرائيليين أن ملفات الفساد ملفقة ومضخّمة.
إسقاط وحجب
وفي قراءة لفرص نتنياهو في العودة لكرسي رئاسة الوزراء من جديد، يعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي بلال ضاهر أن الصورة غير واضحة في ظل ضبابية المشهد الائتلافي بين أحزاب "كتلة التغيير".
يقول ضاهر للجزيرة نت "وإن توافقت الأحزاب على الإطاحة بنتنياهو، لكن لا يوجد إجماع لديها، ولو حتى على قضية واحدة. وبالتالي ليس من الواضح إلى متى ستستمر هذه الحكومة بولايتها، أشهرا، عاما، أو لربما أكثر".
ويرجّح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن لا تنهي الحكومة الجديدة برئاسة بينيت ولايتها، وأن تسقط بسبب الخلافات الداخلية بين مركباتها، وكونها حكومة أقلية تحظى بدعم 61 من أعضاء الكنيست، أي أنها قد تسقط بصوت واحد معارض من الائتلاف في أي تصويت على مشروع لحجب الثقة تقدمه المعارضة برئاسة نتنياهو.
وبالتوازي مع نهج نتنياهو المبرمج لإسقاط حكومة بينيت، يقول ضاهر "يتطلع نتنياهو إلى إجراء انتخابات تمهيدية عاجلة لتثبيت ذاته زعيما لحزب الليكود، وتقويض أي معارضة داخلية تنافسه على رئاسته، علما أن بعض شخصيات الليكود تعارض توجه نتنياهو إجراء انتخابات تمهيدية بشكل خاطف".
تشكيك ورهان
وعلى الرغم من هذه المعارضة، فإن هناك العديد من الشخصيات التي كانت داعمة لنتنياهو تتطلع لمنافسته على رئاسة الحزب، لكن الباحث بالشأن الإسرائيلي استبعد أن يتمكن هؤلاء من الإطاحة به من رئاسة الليكود، ويعتقد أنه ما زال الزعيم الأقوى في الحزب.
وبشأن المستقبل السياسي لنتنياهو في ظل محاكمته في ملفات فساد، يتوقع ضاهر أن تتواصل المحاكمة لسنوات عدة حيث يعتمد طاقم الدفاع عنه سياسة التشكيك في روايات وإفادات شهود الادعاء، وبالتالي خلق حالة من عدم اليقين بأن نتنياهو ارتكب التهم المنسوبة إليه، والترويج لرواية أن الملفات مضخّمة، مع مواصلة التحريض على سلطات إنفاذ القانون وتصويرها بأنها تستهدف شخصه.
ويعتقد الباحث أن المسار القضائي لمحاكمة نتنياهو سيتواصل دون أي علاقة بمساعيه لإسقاط حكومة بينيت والعودة مجددا لرئاسة الوزراء، إذ ما زال نتنياهو يمارس ضغوطا على أعضاء كنيست للانسحاب من الحكومة.
وعليه، حسب ضاهر، "من الصعب حسم التساؤلات بشأن المدة الزمنية لاستمرار الحكومة الجديدة وصمودها"، لكن في ظل الصعوبات والتحديات "فعلى الأرجح أنها لن تصمد طويلا".
المصدر : الجزيرة