عشية ليلة عيد الاضحى المبارك كان ينتظر البعض من المستفيدين من المنحة القطرية وجلهم من الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل ان يتم توزيع المائة دولار مخصص المنحة القطرية, فرغم كل التأكيدات بان المنحة القطرية لن يتم صرفها بسبب تعقيدات وضعتها «اسرائيل» والسلطة الفلسطينية الا ان الامل كان يحدو هؤلاء بأن ينظر اليهم بعين الرحمة وان يجدوا ما يستطيعون ان يسدوا به رمق اطفالهم واسرهم ليلة العيد, بعضهم بكى من حالة العجز التي يعيشها وعدم قدرته على تلبية حاجة اسرته, وبعضهم بقى في الشارع لساعات الليل المتأخرة لأنه لا يستطيع ان ينظر الى اطفاله الذين ينتظرون من والدهم ان يدخل عليهم بفرحة العيد, ورغم قساوة المشهد الذي لا يمكن تخيله الا من عاش تفاصيله, الا ان قساوة القلوب كانت اكثر واكبر فهي كالحجارة او اشد قسوة, فنامت اسر بأكملها دون ان تعيش تفاصيل فرحة العيد, ودمعت عيون الاباء والامهات لكن الفرحة يصنعها الفقراء من الخرق البالية ومن العلب البلاستيكية والعيدان الخشبية لقد صنعوا خروف العيد بأيديهم وحاكوا العرائس واللعب لأطفالهم بأيديهم ولم ينسهم الخالق الكريم من رحمته فجبرت بخواطرهم جمعيات تعنى بالفقراء والايتام, وتفقدهم بعض الجيران والاقارب ونزلت عليهم رحمات الله عز وجل الذي يتولى برحمته عباده المؤمنين, وحلت فرحة العيد في كل بيت رغم الفقر والبطالة والحصار وقلة المال.
على الجانب الاخر عاش المستفيدون من مخصصات الشؤون الاجتماعية ظروفاً مماثلة, وعانوا اشد المعاناة وهم يستقبلون عيد الاضحى المبارك, لكن معاناة هؤلاء كانت مع السلطة الفلسطينية ووزارة الشؤون الاجتماعية التي قلصت من المساعدات التي تقدمها للمستفيدين من مخصصات الشؤون الاجتماعية ففي العاشر من مايو الماضي صرفت مبلغًا موحدًا بقيمة (750) شيقلًا، للمستفيدين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعزت خطوتها إلى عدم دفع الاتحاد الأوروبي حصته بسبب انعكاسات جائحة كورونا حسب مبرراتها الواهية, ويتأخر صرف مخصصات المستحقين لأربعة وخمسة اشهر متتالية مما يفاقم من معاناتهم الى حد كبير لان جلهم ليست لديهم اية مصادر دخل سوى ما يتلقونه من مخصصات الشؤون الاجتماعية, وتصرف وزارة التنمية الاجتماعية مخصصات الشؤون لنحو (111) ألف أسرة، بمبلغ إجمالي (130) مليون شيقل تقريبًا لقطاع غزة والضفة الغربية، بنظام دفعة شهرية تراوح بين (700) شيقل إلى (1800) لكل أسرة كل ثلاثة أشهر، لكن ليس هناك التزام بالمدة الزمنية لتلقي المستحقات وليس هناك التزام ايضا بالقيمة المالية للمخصص المستحق وهو ما خلق حالة من القلق والتخوف لدى المستفيدين من هذه المستحقات والذين يخشون على مصدر رزقهم خاصة ان هناك تسييساً في التعامل مع ملف المستحقين لهذه المخصصات.
قد يستغرب البعض ما نقول لكنها الحقيقة فهناك من ابناء حماس والجهاد الاسلامي ممن كانوا يتلقون مخصصات الشؤون الاجتماعية تم شطب اسمائهم بقرار من السلطة الفلسطينية, وذلك على خلفية انتمائهم السياسي, او بتقارير كيدية وبمنطق «انتم شعب واحنا شعب», وامام هذا الواقع المرير اضطرت اللجنة الادارية التابعة لحركة حماس في قطاع غزة لإدراج هؤلاء المفصولين من الاسر الفقيرة والايتام والمحتاجين وذوي الشهداء والاسرى والجرحى المحرومين من مخصصاتهم المالية, في قوائمها لتعويض حرمانهم من تلقي مستحقاتهم من حكومة رام الله, وقد كنا نأمل من السلطة الفلسطينية ان لا يتم المتاجرة بمعاناة الناس والمناضلين من الشهداء والاسرى والجرحى, وان لا يتم تسييس القضايا الانسانية تحديدا, وان تولى الفقراء والمحتاجين, وذوي الاسرى والشهداء والجرحى اهتماما خاصا من السلطة الفلسطينية لما يقدمه هؤلاء من تضحيات عظيمة في سبيل شعبهم وقضيتهم, فالمعاناة مستمرة واوجهها متعددة ولكن تبقى المعاناة الاكبر والتي تؤلم وتقتل تلك التي تأتي من ذوي القربى الذين من المفترض ان يكونوا دائما عونا وسندا لشعبهم, خاصة تلك الطبقة الفقيرة والمسحوقة والمناضلين والشرفاء من بني شعبنا, والذين يتحملون أي شيء وكل شيء دون تغيير او تراجع عن طريق ذات الشوكة ذاك المسار الذي حددوه بأنفسهم وخاضوه بإرادتهم لنصرة شعبهم وقضيتهم, انه خيارهم الاصوب وطريقهم الصعب والمليء بالعقبات, طريق ذات الشوكة الذي لا يسلكه الا المخلصون والشرفاء, فطوبى لكم وحسن مآب.