كتب: عبدالله يوسف مغاري
لم تتوقف "إسرائيل" يومًا عن خلق أو استغلال الأزمات داخل المجتمعات العربية، في سبيل تشكيل رأي عام عربي مناهض للمقاومة، إذ يراهن الاحتلال على الضغط الداخلي الذي قد تمارسه الشعوب على قوى المقاومة، وبالتالي تدفعها نحو التزام الصمت تجاه العربدة الاسرائيلية.
لبنان الغارق في أزماته السياسية والاقتصادية، كان من الجبهات ذات التربة الخصبة التي يمكن أن يزرع فيها الاحتلال ألغامه السياسية، فظنت "إسرائيل" أن حزب الله سيقف عاجزًا عن الرد وهو يضع في حساباته الأوضاع المعيشية الصعبة في لبنان، وألا يخوض الحرب التي من شأنها أن تزيد من الأزمات الداخلية.
على عكس مراهنات الاحتلال، يرد حزب الله برد محسوب يفرض قواعد الاشتباك، والأهم من ذلك يضع استراتيجية الرهان على أزمات الشعوب في خانة الفشل مجددًا، فمرارًا فشلت هذه الاستراتيجية في قطاع غزة.
وبالعودة إلى نحو شهرين، كانت المقاومة في غزة تضرب العمق الإسرائيلي وتحشر نتنياهو في زاوية مظلمة، ليس ذلك فقط بل كان أهلنا بالداخل المحتل يلوحون بقنبلتهم الموقوتة التي ظن الاحتلال أن مفعولها أنتهى، وبالتزامن مع ذلك كانت المواقف الدولية تتغير لصالح الفلسطينيين، ما دفع الاحتلال نحو تغيير أدواته، فأوقف النار وأشعل الحرب النفسية.
عملت "إسرائيل" على تقزيم إنجازات المقاومة، فشددت حصارها، ولو سنحت لها الفرصة لأوقفت الهواء عن غزة، في سبيل تحريض الغزيين على المقاومة، وخلق أجواء من الإحباط، وتصويرنا وكأننا عدنا بخفي حنين من المعركة.
ولأن الإحباط لا يليق بنا، أود الإشارة هنا إلى أن أسمى ما حققته المقاومة في "سيف القدس"، أنها بدأت المعركة لأجل القدس وهنا نُسف مشروع بعثرة الفلسطيني، وجعل هم غزة الوحيد هو البحث عن قوت يومها وجعل القدس فريسة لا يلتفت لها أولادها، بجانب أن كل الحروب التي شنتها "إسرائيل" على غزة كانت لوقف الصواريخ التي لم تتوقف حتى اللحظة الأخيرة، وهنا الانجاز الآخر.
حتى اليوم، تواصل "إسرائيل" فرض قيودها، وتسمح من فترة إلى أخرى بإدخال بعض البضائع، وتحاول ربط انهاء الحصار بملف الجنود الأسرى، وتمنع إدخال المنحة القطرية.
وحتى اليوم أيضًا، لم يهضم الاحتلال الضربة، ولم يعترف بعد أن الرهان على الأزمات رهان فاشل، وأن الشعوب لا تقبل أن تحني رأسها لتأكل طعامها، هذه مسلمات يفهمها نفتالي بينت، الذي يعتبر نفسه صاحب صفحة بيضاء أمام جمهوره، لكنه يحاول ويحاول تغيير هذه المسلمات، أما في نهاية المطاف فسيأتي اليوم الذي يمضي خائبًا كسابقيه.