بسم الله الرحمن الرحيم
(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
بقلم / وليد حلس
اللهم ردنا الى دينك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم - ردا جميلا .
هناك قاعدة تقول بأنه كلما تقاعس أهل الحق والدعوة عن نصرة الحق ونشر ثقافة وقيم ومبادى الدين ، فإن أهل الباطل والفهم الخاطئ يتمادون في تطاولهم على الدين ونشر الفساد والرذيلة في الأرض ، وهناك قول مأثور يا علماء البلد يا ملح البلد ماذا يصنع الناس إذا الملح فسد ؟؟
وقول آخر : " صنفان من الناس إذا صلحا صلح المجتمع ، وإذا فسدا فسد المجتمع : العلماء والأمراء ، وإن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن ، وإن الحياة لا تؤمن بالفراغ ، ولا تعطي للغائب نصيبًا ، والفراغ إن لم تملأه بالطهر والعفاف والحث على الفضيلة ملأءه آخرون بزيفهم وغيهم وتضليلهم للناس ، والكثير من الأقوال المأثوره وغيرها تصب في هذا الاتجاه .
إن أعداء الأمة لم يبرحوا في إنفاق الملاييبن من الأموال الطائلة ؛ من أجل إخراج وسلخ أبناء الأمة من شباب وفتيات ورجال ونساء عن قيم وأخلاق وتعاليم ديننا الحنيف ، وإن ما لم يحققوه في الحروب قد حققوه آلاف المرات في غيره ، من خلال أساليب الغزو الفكري والثقافي ، والإعلام والعولمة ووسائل التواصل الإجتماعي حديثا !!
وهذا ما عبر عنه كبيرهم صمويئل زويمر بعدما فشلت حملاتهم الصليبية العسكرية بدؤوا بالوسائل والأساليب التغريبية الخبيثة ؛ لأجل علمنة حياة المسلم وتشكيك المرأة المسلمة بحجابها ، وتحريضها على دينها وحريتها، والتبشير بدين جديد شعاره : يجب أن نمزق هذا الكتاب . وأشار إلى القرآن الكريم ، فوقف أحدهم متحمسا ومزق المصحف ، فقال له ليس هكذا يا أحمق ، بل تمزيقه من قلوب وعقول وحياة المسلمين ، وأن يقوم بذلك أحدهم ، أي يقوم بقلع الشجرة أحد أغصانها . وقال أيضا : يجب تنصير جميع المسلمين ، وهذا شرف لهم ، وإن لم نستطع إدخالهم في النصرانية فتركهم بلا دين أفضل ، وفعلا حدث ما أرادوا للاسف الشديد ، حتى اختلط الحابلُ بالنابل ( *إيقاع الاضطراب فيما بينهم ، فلا يُعرَفُ الصائد بالنبال من الصائد بالحبال*) وأصبح أبناء المسلمين من أشباه النخب والمثقفين والأدباء والمفكرين المنبهرين بمظاهر الحضارة الغربية الزائفة ينظرون لنشر هذه الأفكار الشيطانية الخبيثة في مجتمعاتنا. حتى أصبحنا غرباء في الدين والوطن .
فلا تمييز بين ما هو لك وما هو عليك ، فلا تعرف هذا سلوك إسلامي من غيره ولا الإمام من المأمومين ، ولا الراعي من الرعية ، ولا الحاكم من المحكومين لشدة الشبه في السلوك والممارسة .
ورعاة الشياه تحميها من الذئاب
فكيف إذا صار للرعاة ذئاب
وأصبح التقليد الأعمى للغرب ومواكبة الموضة في التفاهات وسفاسف الأمور ديدن وشعار السواد الأعظم من شباب وفتيات المسلمين ، لدرجة أضحينا فيها رجالا ونساءً ملتزمين ، وغيرهم نتراقص ونتمايل بشكل خادش للحياة من شدة الطرب على أنغام الموسيقى الصاخبة في الحفلات والاحتفالات ، وهذا من خوارم المروءة للرجال مع دوي أصوات الضجيج لمفرقعات الألعاب النارية المزعجة حتى لما بعد منتصف الليل ، مع إغلاق الشوارع وإعاقة حركة المرور دون مراعاة حرمة لمشاعر البشر ، ثم تنتشر بعد ذلك مقاطع الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا .
كما وأصبح لدينا -وللأسف- جيش من المطربين والفنانين المتألقين الذين إذا أصغيت لما يقولون فتجد نفسك أمام فن هابط جدا في المعنى والمبنى ، علاوة على المخالفات والمحاذير الشرعية التي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وعادات وتقاليد شعبنا المكلوم والمجروح بدعوتهم للانحراف والسفور على رؤوس الأشهاد ، ناهيك عن البزخ والترف والمبالغة في التبذير والإسراف المصحوب بالهوس والجنون !!!
لقد حدد العلماء المعاصرون الضوابط والمعايير الشرعية للآلات الموسيقية والأفراح والمناسبات وما يصاحبها من غناء ، وقالوا بأنها في دائرة المباح ، وأنها آلة ، والحل والحرمة تتعلق بأفعال المكلفين ، فإن كان الغناء المصاحب لها يحث على الأخلاق والفضيلة والحماس الوطني والديني فإنها مباحة ، وإن صاحبها دعوة للفسق والمعصية ونشر الرذيلة فهي محرمة ، وهذه
قيود وضوابط لا بد من مراعاتها:
1ـ سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية.
2ـ سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء.
3ـ عدم اقتران الغناء بمحرم.
4ـ تجنب الإسراف في السماع.
إننا لا ندعو لتحريم وتجريم الفن الهادف والراقي والغناء الوطني الأصيل الذي يحث على الفضيلة ويحرك المشاعر الثورية والأحاسيس الوطنية لدى الشباب ، بل ندعو الناس إلى عدم الإسراف والمغالاة في الأفراح والمناسبات الأخرى ، والاختصار في ذلك قدر الإمكان بسبب الظروف المعيشية الراهنة الصعبة والقاهرة التي يمر بها قطاعنا الصامد ، واحتراما لمشاعر وآلام شعبنا المكلوم ، ومراعاة لأحواله المعيشية المعقدة ، ولنكن قدوة وأسوة حسنة في هذا الأمر ومثالاً يحتذى به.
"يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" ،
يقول د. محمد عمارة - رحمة الله عليه* سماع الآلات ذات النغمات أوّ الأصوات الجميلة ، لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة ، أو صوت إنسان ، أو صوت حيوان ، وإنما يحرم إذا استعين به على محرّم ، أو اتُّخذَ وسيلة إلى محرم.." ... فاللهو ليس حرامًا لذاته وعينه ، وإنّما يحرّم إذا شُغل به الإنسان عن الواجبات.
ويقول الأستاذ عباس العقاد - رحمه الله-: " ولا يغيب عن أى عقل ، أن الموسيقى واقع سماوي وإنساني رائع ، لا يحذف روعته من الوجود نشاز منحرف فى استخدام الموسيقى أو الغناء لإثارة الغرائز والشهوات، فلكل مقام مقال ، ومحاربة الانحرافات بشتى صورها واجبة ، ولكن إلغاء الطبيعة محال ، وأقول الطبيعة لأن الموسيقى والنغم جزء لا يتجزأ من الطبيعة شأنها شأن ما فى الكون من إبداعات متنوعة قد يخطئ بعض الناس فى استغلالها ، ولكنها فى طبيعتها إبداعات تحمل فى داخلها كل ما يرتقي بالإنسان ومشاعره وروحانياته نحو الجمال والكمال.
ونحن هنا لسنا بصدد إصدار أحكام وفتاوى شرعية او استعراض آراء الفقهاء والعلماء في أمر أصبح معلوما من الدين بالضرورة .
بقدر ما نحن بصدد توجيه تحذير وتذكير وهمسة عتاب ولوم لمن لا يراعي حرمات الله ويتعدى حدوده ، ويتجرأ على مخالفة أوامره ولا يبالي ويتراقص على جراحات وعذابات شعبنا بحجج وذرائع واهية ، مثل حجة إدخال السرور والترويح على الناس ، وهذا حق يراد به باطل ، فهنالك وسائل مشروعة كثيرة .
هذه رسالة وتذكرة ، نرجو أن تفهم في إطارها الصحيح ، ونسأل الله عزوجل بأن يديم الأفراح والاحتفالات المنضبطة والملتزمة في ديار المسلمين .
*ودامت دياركم عامرة بالافراح والمسرات*
*اللهم قد بلغنا اللهم فاشهد*