استخدم الاحتلال الصهيوني شتى أنواع الأساليب والأدوات ضد الشعب الفلسطيني طوال عقود بهدف قتل أي نفس مقاوم, وقد ساعده في ذلك العديد من العوامل الداخلية والخارجية في تحقيق هذا الهدف, وأهم هذه العوامل كانت الحرب النفسية من خلال ترويج الكيان لنفسه بامتلاكه "جيش لا يقهر" وتفوقه أمنياً وتكنلوجيا على كل دول المنطقة, ومن ضمن أساليب الاحتلال لتفتيت عزيمة المقاومين تمثل بالزج بهم بالسجون وفرض أحكام بعشرات المؤبدات ضدهم في إطار نشر الإحباط واليأس في نفوسهم.
تميزت حركة الجهاد الإسلامي داخل السجون عن غيرها بل أبدعت واستطاعت أن تترجم النظريات إلى خطوات عملية لتصبح رمزاً وأنموذجاً يُحتذى به, واستطاعت الحركة أن تحول السجون إلى مدارس في الوعي, الوعي اليقيني, الذي أصبح اليوم نبراساً يمكن السير فيه بكل اطمئنان وبصيرة, استطاعت أن تتميز بالكثير من المواقف, وهنا أود تسليط الضوء على موقفين أحدهما أصبح مدرسة تستلهم الكثير, والآخر يرجح أن يصبح ممراً له الكثير من مريديه في المرحلة المقبلة.
النموذج الأول: معركة الأمعاء الخاوية, والذي دشنه الشيخ خضر عدنان أحد أقطاب الحركة وقادتها في الضفة المحتلة, حيث استطاع أن يتغلب على بلطجية وعنجهية الاحتلال في فرض سياسة الاعتقال الاداري من خلال اعتقال الأسرى وتمديد اعتقالهم دون توجيه "تهمة" واضحة لهم, والتمديد لهم وفق قرار وتوصية من الجهات الأمنية الاسرائيلية, واستطاع الشيخ خضر عدنان كرأس حربة لمعركة الأمعاء الخاوية أن يجهض المخطط الصهيوني, وبالتأكيد لم يكن سهلاً الوصول الى هذه القدرة من الإبداع والتحمل والإرادة والعزيمة والصبر في مواجهة الاحتلال, حيث رفع الشيخ عدنان شعار "كرامتي أغلى من الطعام" وهو شعار له تداعيات هامة في معناه العملي, ونجح في الحصول على حريته رغماً عن أنف الاحتلال, وقد سار على دربه الكثير من الأسرى الغالبية منهم يتبعون لحركة الجهاد الإسلامي, وأصبحت هذه مدرسة اسمها "الكرامة والحرية أغلى من الطعام" وقد وقف الاحتلال عاجزاً أمام كل معارك الأمعاء الخاوية وفي نهاية كل معركة كان يتم ارغامه على تحقيق رغبة الأسير المضرب عن الطعام.
النموذج الثاني: معركة حفر الأنفاق في السجون, من الطبيعي أن نجد نفقاً للمقاومة داخل غزة أو لبنان, ولكن نفقاً داخل السجون فهذا من الصعب التفكير به, ونجح كوادر حركة الجهاد الإسلامي مؤخراً في الهروب من سجن جلبوع الصهيوني المحصن عبر نفق قاموا بحفره بشكل بدائي ودون أي مساعدة خارجية, وتمكن ستة أسرى من الهروب خارج أسوار السجن, مع أهمية الإشارة بأن هذه ليست المحاولة الأولى لكوادر الحركة لحفر الأنفاق, بل سبقها عدة محاولات لكنها كانت تكتشف في مراحل مختلفة, لكن ذلك لم يثني الأسرى أو يشعرهم بالإحباط, بل استمروا في مخططهم بالحفر حتى انتزعوا حريتهم, وبغض النظر عن اعتقال عدد منهم لاحقاً, لكن الأهم هو الفكرة, والتأسيس لمرحلة جديدة من اشكال المقاومة داخل السجون الصهيونية, هذا النموذج يرجح له أن يصبح مدرسة جديدة يلازم مدرسة الإضراب عن الطعام الذي اكتسب نجاحاً كبيراً في معركة الوعي مع الاحتلال.
حركة الجهاد الإسلامي عبر هذه المواقف والإبداع الذي تتميز به دوماً في المواجهة مع الاحتلال إنما تريد أن تجابه سياسه كي الوعي التي يحاول الاحتلال فرضها علينا, فهي من جانب تظهر هشاشة هذا الاحتلال وامكانية التغلب عليه بأبسط الإمكانيات, وبنفس الوقت تعطي الأمل لبقية الأسرى بإمكانية انتزاع حريتهم من براثن الاحتلال الذي هو أوهن من بيت العنكبوت.