لغة ليست جديدة عليه، فكل اطلالاته وتصريحاته تحمل في قلبها توقعات الجماهير ونبض المقاوِم الثائر، وقد تعوّدت الناس أن التصريح او الموقف الذي يتخذه أمين عام حركة الجهاد الإسلامي يقابله فعل ميداني، أي أن هناك حالة من الانسجام والالتزام بين ما يقوله وبين الفعل على الأرض، لذلك بات الجمهور الفلسطيني يستقبل تصريحاته باهتمام، حتى العدو الصهيوني يلتقط ما يرد على لسانه من مواقف سواء كانت سياسية أو ميدانية لأنه خَبِرَ بأن كلماته ليست كالكلمات العابرة، نتنياهو كما بينت يعرف طبيعة وسلوك وحدَّة ولغة أبو طارق، وتصريح الليلة أتى من أعلى الهرم، وهذا له دلالة سياسية مهمة وأكبر.
إن ما يتعرض له الأسرى على وجه العموم وبشكل خاص أسرى الجهاد الإسلامي من عزل وتنكيل خصوصا بعد عملية نفق الحرية واعلانهم الدخول في اضراب مفتوح عن الطعام استدعى هذا التصريح المختصر بكلماته لكنه حازم وجازم وقاطع بالمعنى، فالموقف ارتقى لمستوى الحالة الجنونية التي يتعرض لها الاسرى من عذاب منذ اكثر من شهر.
الامين العام لم يوارب ولم يكن الغموض ساكنا بين كلماته ولم يُلقِ بالا لأي اعتبار سياسي، ملقيا كافة الاعتبارات السياسية في ميدان المواجهة مقابل دعم مطالب الأسرى في سجون الاحتلال، وهذا هو تصريح الواجب الذي يحمل في طياته أخلاق جهادية عالية، فمثل هذه الحالة لا تحتاج إلا هكذا موقف ثورية، والشارع الفلسطيني أصلا لا يتوقع إلا هكذا مواقف، لذلك تجد تصريحات ومواقف أبو طارق تلقى قبولا واهتماما وارتياحا وسط كافة شرائح المجتمع وليس فقط بين أعضاء الجهاد الإسلامي.
وإن إعلان سرايا القدس بعد ساعات قليلة من التصريح للنفير العام بين صفوف مجاهديها واستعدادها لأي طارئ، يأتي انسجاما واستكمالا للموقف الذي أعلنه الامين العام ابو طارق.
إذن نحن أمام تصريح يحمل بين ثناياه كلمات ليست كالكلمات، كلمات فيها موقف، والموقف يُترجم ثم مفاعيله تبدأ على الارض، وفي النهاية مثل هذه المواقف هي تُضيف قوة إلى قوة المقاومة.
أما على مستوى العدو فهو بشكل أو بآخر يفهم ويُصنِّف تلك التصريحات السياسية بأنها تصريحات رادعة، من خلالها يرسل الامين العام رسالة مفادها أن الاسرى ليسوا لوحدهم في المعركة، ومع انطلاق اليوم الاول لإضراب الاسرى بدأ الاسناد العسكري لاضرابهم على غير ما جرت عليه العادة كما في الاضرابات السابقة، حيث كان المعتاد عند الاعلان عن أي اضراب للاسرى تبدأ الفعاليات الجماهيرية والبيانات الداعمة وهكذا.. ثم يأتي لاحقا التهديد العسكري وفق تطورات الإضراب، لكن في هذه الحالة الهرم جاء مقلوب وبدأ بالتهديد العسكري فور الاعلان عن الاضراب، وهذا إن دل فإنه يدلل على أن إضراب الاسرى الحالي لم يكن كما الاضرابات السابقة، فإضراب الاسرى هذا جاء بعد أكثر من شهر من الألم والمعاناة والتعذيب والعزل الانفرادي ومحاولات الإذلال على مدار الساعة، والسجان الصهيوني استغل عملية نفق الحرية ليقوم بإجراءات انتقامية ضد الأسرى وبشكل خاص أسرى حركة الجهاد الإسلامي، تلك الإجراءات الانتقامية لم تتوقف ساعة واحدة، لذلك جاء الاعلان عن الاضراب المفتوح عن الطعام، فلم يكن منطقيا أن يبدأ الدعم لاضراب الاسرى كالمعتاد بالبيانات والفعاليات والمسيرات، لذلك جاء التهديد العسكري واعلان النفير العام لسرايا القدس منذ اليوم الاول لاضراب الأسرى، ولو أن تصريح وكلمات الامين العام كانت كالكلمات العابرة لأُصيبت الجماهير المتابعة لقضية الأسرى بخيبة أمل كبيرة.