بقلم/ وائل قنديل
المغرب تسلّحه إسرائيل، والأردن تسقيه إسرائيل، والإمارات صارت قنطرة إسرائيل إلى مشرق العرب ومغربه، وتُحارب بلا هوادة كي لا يشاركها أحد توكيل التطبيع والتغلغل الصهيوني في كل شبر بالمنطقة.
في لحظةٍ واحدة، يتم الإعلان رسميًا عن اتفاقية إماراتية المنشأ والترتيب والتخطيط، بموجبها تبيع إسرائيل للأردن 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا، بالإضافة إلى 55 مليون متر مكعب توفر مجانا، حسبما قالت وزيرة الطاقة الصهيونية، والذي هو في قول وزارة المياه الأردنية "إعلان نوايا الذي تمَّ توقيعه مع إسرائيل والإمارات، من الممكن أن يحصل الأردن من خلال إعلان النوايا على 200 مليون متر مكعب من المياه سنويا".
وبالتزامن، يعلن الكيان الصهيوني عن صفقة أسلحةٍ للمغرب تشمل أنظمة دفاعية وطائرات، وذلك أثناء زيارة وزير الحرب الإسرائيلي إلى الرباط، في أجواء تصعيد ملتهبة بين المغرب والجزائر.
بعيد عن أن في الأردن والمغرب ملكين، كلاهما ينسب نفسه إلى النبي محمد، ويرى في نفسه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين والوصي على القدس المحتلة، فإن ما يسترعي الانتباه هنا أن تلك المساحة الضئيلة في الحديقة الخلفية للنظامين لم يعد مسموحًا باستعمالها شعبيًا لإظهار مواقف جماهيرية قومية رافضة للاحتلال، تخفّف من وطأة وفداحة الانسحاق الرسمي أمام قطار التطبيع والتفريط في استحقاقات التاريخ والجغرافيا.
في الأردن الآن لغة جديدة للحوار بين الحكومة ومناهضي التطبيع مع الاحتلال، أبجديتها القمع والبطش والضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسُه الاحتجاج على الانتقال بالممارسة التطبيعية من المصافحة الخجول إلى المسافحة في عرض الطريق، فيتم اعتقال المحتجّين من الطلبة، وإبلاغهم بوضوح أن لا مستقبل لهم في هذه البلاد إن واصلوا الاجتراء والتجاسر على المشيئة التطبيعية.
الأمر ذاته في المغرب، الذي كان يضرب النموذج الأروع والأكبر في التعبير عن الغضب الشعبي من المطبّعين، حيث كانت التظاهرات الداعمة لفلسطين في كل العدوانات الصهيونية السالفة هي الأكبر، ليس امتثالًا لنكتةٍ تقول إن ملك المغرب هو رئيس لجنة القدس، وإنما استجابة فطرية لعقيدةٍ ساطعةٍ في الوجدان الشعبي بأن مقاومة التطبيع هي أضعف الإيمان لدي كل مواطن عربي يحاصره العجز والتواطؤ الرسميان.
أتخيّل جيلًا ولد ونشأ يردّد مع فيروز، وهي تعلن مادة أساسية في دستور الشعب العربي تقول بتحدٍ "وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية وستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية". تخيّل هذا الجيل الذي علم أبناءه وأحفاده الغناء والصلاة للقدس، وهو يتابع تلك المشاهد الفضائحية وهم يجبرون نهر الأردن على الركوع أمام القدم الهمجية، بل يطلبون من أصحاب نهر الأردنيين الأصليين أن يفتحوا الطريق أمام هذه القدم الهمجية، ويقبلون تلك الأيادي الهمجية ويشربون من راحتيها، ولا يرفعون أصواتهم بالاحتجاج على الاتفاقيات والصفقات المبرمة مع الهمجية في أوضح صورها.
ماذا يمكنه أن يقول المواطن العربي لأبنائه الذين لقنهم الوعد الفيروزي بالوصول إلى مدينة الصلاة، عبر نهر الأردن الذي عمّدت مياهُه المسيح، وهو يرى النهر مختنقًا بعار الصفقات، وهو المختنق أصلًا بملوّثات الهمجية الصهيونية التي استولت عليه واختطفته من أصحابه الحقيقيين؟
الشاهد أننا بصدد واقعٍ مخيفٍ يتشكّل، ويُراد له أن يكون الواقع الذي لا واقع غيره، ينزع القداسة عن كل ما هو مقدّس، ويمنح الجدارة لكل ما هو مدنّس بآثار القدم الهمجية التي باتت بإمكانها التوغل في كل شبر من الأراضي العربية.