حَمَلَ خطاب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة الأخير قدراً كبيراً من الصراحة والوضوح والشفافية، إنه خطاب المُشتبك، المتمرد، النبيه، الفطن الذي لا يُشبه (إلا) نفسه في الجرأة والجسارة والبسالة، وكذلك في مواجهة الخطابات المطاطة، الهُلامية التي لا تعكس الواقع.
خطابُ النخالة الأخير قلبَ الطاولة في وجه نوعين من الخطابات؛ الأول الخطاب الذي يدور هَمْساً في الغرف المُغلقة، والخطاب الموزّع في كلّ الاتجاهات يُعلَن على الناس وهو لا يعكس الواقع ولا الحقيقة دائماً، وربّما ينطوي على قدر وافر من محاولات خداع الواقع.
كاتبان سياسيان يساريان رَأَيا أن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، استشرف المرحلة المقبلة، والمحاذير والمخاوف التي تلاحق المقاومة، ومحاولات الالتفاف عليها من قبل الاحتلال وأعوانه في المنطقة، معبراً بكل صراحةٍ ووضوح عن مخاوف مشروعة.
ويشير المحللان إلى أن ما جاء في تصريحات النخالة خلال برنامج "لعبة الأمم" عبر فضائية الميادين، هي رسالة قوة من المقاومة الفلسطينية بأنها لن تقبل الإخلال بميزان قواعد الاشتباك التي فرضتها لصالح العدو.
قراءة في خطاب المشتبك!
الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو ذكر أن توقيت "خطاب النخالة" كان موفقًا، كونه يأتي في ظل حراك خفي؛ لتثبيت ما يوصف بالهدنة أو التهدئة طويلة الأمد.
وقال سويرجو في حديث مع "شمس نيوز": "المقدمات المسربة عن التهدئة لـ5 سنوات، حتى هذه اللحظة تخلق كثيرًا من التساؤلات والجدل في الشارع الفلسطيني".
ولفت إلى أن النخالة قدَّم الكثير من التخوفات المشروعة حول القضايا كافة، موضحًا أن هذه التخوفات تكمن في أن الاحتلال لا يقدم التسهيلات إلا مقابل تنازلات حقيقية من قبل المقاومة، وضمان هدوء وانطفاء جبهة غزة وكذلك في الضفة الغربية.
وأضاف سويرجو "هناك تخوف آخر بأن الاحتلال سيتعامل مع غزة والضفة مخزنًا للعمال، يأخذ منه من يريد ويرفض آخرين"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يحاول استغلال الحالة الاقتصادية والضغط الذي تعاني منه أهالي قطاع غزة نتيجة ارتفاع البطالة والفقر واستمرار الحصار.
وبيَّن أن الاحتلال يحاول استغلال هذه الحالة لخلق شيء من التراخي لدى المقاومة، خاصة وأن الانتعاش الاقتصادي قد يتسبب في هدوء طويل المدى، وفق ما تعتقد حكومة الاحتلال.
واستدرك سويرجو "التجارب السابقة تثبت عكس ذلك، فالانتفاضة الأولى كان عصبها الكم الهائل من العمال في الأراضي المحتلة، أي أن الاحتلال سيفشل في هذا الرهان".
وقال المحلل السياسي: "النخالة وضع استراتيجية المقاومة، ورسم لها الخطوط العريضة، كبنية وفكرة وممارسة، لتكون مرتبطة مع الحاضنة الجماهرية والشعبية بشكل واضح".
وأشار سويرجو إلى أن هذه الاستراتيجية تحمل رسائل قوة، أهمها تثبيت معادلة الردع، وقواعد الاشتباك، حتى لا يعتقد العدو بأن الحراك السياسي الخفي يتيح له المبادرة بفعل ما يريد مع كوادر المقاومة ومقاتليها.
النباهة السياسية ضرورة وطنية
من ناحيته، اتفق الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب مع النخالة في أنَّ جميع ما يقدم إلى قطاع غزة، هو استحقاق من جميع الأطراف، مشدداً على ضرورة رفض ولفظ "مصطلح التسهيلات" كونه أمر غير دقيق لا سياسيًا ولا اقتصاديًا، مع إشارته إلى أنَّ أي حلٍ لا يجب أن يكون على حساب القضية.
وقال حبيب في حديث مع "شمس نيوز": "ما يجب تسميته بأنه استحقاق، كون الاحتلال يسيطر على قطاع غزة وحركته وحريته، ووفق القانون الدولي فإن الدولة المحتلة هي من تتحمل مستلزمات توفير الحياة في تلك المنطقة".
وأضاف "العودة للعامل الاقتصادي في الصراع، يحدد سقفه بالجانب الإنساني دون الجانب السياسي"، لافتًا إلى أن الحلول الاقتصادية والإنسانية رغم أهميتها لا يجب أن تكون بديلًا عن الحل السياسي الذي يتوفر بالقضاء على الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية كاملة".
وتابع حبيب "يجب ألا تسجل أي جهة مقاومة على نفسها أنها جهة منظمة للعمال في الأراضي المحتلة، على اعتبار أن هذا يتنافى مع أننا في حالة صراع، لا في إطار حل اقتصادي وانساني على حساب القضية الوطنية والحل السياسي".
وتابع: "الاحتلال وافق على الموازنة، وهنا نعود لخطة تانوفا التي وضعها كوخافي للقضاء على المقاومة دون التدخل العسكري والأمني".
وبشأن التخوفات من أي حماقة إسرائيلية أو أي اغتيال قال حبيب: "هذا أمر مشروع كون الاحتلال دائمًا ما يسعى لايجاد ثغرات يسعى من خلاله لاختراق الوضع الفلسطيني خاصة في قطاع غزة لتقوم بشن حرب عليه".
وأشار إلى وجود توترات في المنطقة ويسعى الاحتلال لفصل جبهة غزة عما يجري في الاقليم، سيما في ظل التلويح بشن حرب على ايران، مضيفًا "العدو يأخذ بالاعتبار في حالة القيام بحرب على ايران، وجود جبهات أخرى خاصة الجنوبية في غزة".
وأردف حبيب حديثه: "المناورات المستمرة على التخوم، تمهد لمثل هذه الحرب"، داعيًا لضرورة قيام القيادة الفلسطينية خصوصًا في غزة من الحذر من أن محاولات التوصل لحلول انسانية تهدف للقضاء على المقاومة.
وختم حبيب حديثه: "لا بد أن تبقى الأيدي على الزناد لأن العدو غادر".