شمس نيوز- تحقيق / عبدالله عبيد
"تفجيرات.. اختطاف وتعذيب..سرقة.. محاولات قتل" والفاعل مجهول!! دوامة جديدة من العنف تعيد غزة إلى عين العاصفة، وترسم علامات استفهام عريضة حول الجهات التي تقف خلف أعمال الفلتان الأمني التي بدأت تطفو على السطح، وتهدد الاستقرار الهش في القطاع، الذي تخترقه بين الفينة والأخرى أيادٍ ما زال أغلبها يقيّد في ملفات الشرطة والمباحث تحت اسم "مجهولة" .
وأطلقت عدة مراكز ومؤسسات ناشطة في مجال حقوق الإنسان بغزة، تحذيرات من عودة الفلتان الأمني للقطاع، في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تلف السكان المحاصرين، بينما نفت حركة حماس التي تحكم القطاع وجود أي مؤشرات توحي بالدخول في جولة فلتان أمني جديدة.
وحتى وقت قريب، لم يظهر للعيان علنا أحداث تذكر بفترة الفلتان الأمني التي سبقت سيطرة حماس على غزة وطرد "ضرتها" حركة فتح من القطاع، لتعامل الأجهزة الأمنية بيد من حديد مع كل من يخالفها أو يحاول العبث بالمكان الذي تحكم فيه.
استهداف مخطط
القيادي في حركة فتح ومسؤول العلاقات الدولية فيها، مأمون سويدان، تعرض قبل أيام لإطلاق نار في حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، من قبل مجهولين كانوا يستقلون سيارة "سوبارو" بيضاء اللون مما أدى إلى إصابة مرافقيه.
مراسل "شمس نيوز" تحدث مع سويدان، الذي أكد أن الاستهداف كان مخططا ومعدا له بشكل متقن ومنذ وقت طويل" بحسب تعبيره.
وأضاف: حسب الشهود من الجيران وسكان المنطقة، فإن السيارات التي هاجمت كانت تتردد على المنطقة منذ فترة وتراقبني، والذين نفذوا الهجوم كانوا ملثمين في وضح النهار ويحملون سلاحا، وبمجرد توقف سيارتي أمام البيت هاجموا السيارة وأطلقوا النار عليها، فأصابوا شخصا في رأسه وآخر في قدمه ولاذوا بالفرار".
وأشار سويدان إلى أن ما يحدث من فوضى داخلية في قطاع غزة كالتفجيرات والاعتداءات وغيرها، ما هي إلا حالة من الفلتان الأمني، معرباً عن أسفه لعدم الكشف عن الجناة "وهذا يعد تقصيراً من قبل الأجهزة الأمنية في غزة، وهي من تتحمل المسؤولية كاملة عن هذه الجرائم" على حد وصفه.
وأعرب القيادي في حركة فتح عن اعتقاده بأن حالة التصعيد والفلتان الأمني تصاعدت بعد" التقارب بين أنصار محمد دحلان وبين حركة حماس"، داعياً الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لدراسة هذا الوضع، واتخاذ موقف حاسم لضبط الأوضاع.
أما المواطن (أ.ف) من منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، فقد تابع حادثة انفجار سيارة تعود لأحد خطباء المساجد في المنطقة، وهو "سامي الهمص"، ليروي لنا تفاصيل هذه الحادثة بالقول : كنت في البيت وكان عندي ضيوف، وفجأة سمعنا صوت انفجار ضخم يهز المكان أدى إلى تساقط الشبابيك وتطاير الزجاج واشتعال النيران".
وأضاف (أ.ف) لـ"شمس نيوز": في بادئ الأمر اعتقدت أن هناك عملية اغتيال لأحد من قبل الطائرات الحربية فسارعت إلى المكان، إلا أن الناس كانوا يتجمهرون أمام منزل الأستاذ سامي الهمص، والدخان يتصاعد من هناك"، مشيراً إلى أن سيارات الشرطة والإسعاف هرعت إلى مكان الانفجار فور وقوعه.
وكون أن الهمص جاره ومقرب إليه بنفس الوقت، فقد بيّن لنا شاهد العيان أن نتائج التحقيق في هذا الانفجار لم تظهر حتى الآن، ومعرفة ما إذا كان هذا الانفجار ناجما عن أيدٍ خفية تحاول العبث في أمن القطاع، أم أنه وقع نتيجة خلل فني داخل السيارة.
وكان قطاع غزة قد شهد مؤخرا عددا من حوادث إطلاق النار وتفجير سيارات تعود لكوادر وقيادات في حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وطالت بعضاً من قيادات الأجهزة الأمنية في غزة وقادة حماس ونسبت إلى منفذين مجهولين.
حماس وأجهزتها الأمنية حسمت أمرها بهذا الموضوع حيث أعلن وكيل وزارة الداخلية في غزة كامل أبو ماضي مؤخرا أن رجالات من داخل "فتح" يحاولون إعادة الفلتان الأمني إلى القطاع، متهما بذلك القيادي في الحركة توفيق الطيرواي.
وهذا ما كشفه لـ"شمس نيوز" عضو المكتب السياسي لحركة حماس، زياد الظاظا، في تصريح سابق، حيث أكد وجود مخطط لأفراد يتبعون لرئيس السلطة محمود عباس، والمخابرات الفلسطينية في رام الله، لإحداث فوضى وبلبلة في قطاع غزة، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية في غزة ستقوم بعرض حالات قام بها أفراد من حركة فتح، هدفهم إحداث فوضى في القطاع، ضمن مخطط للمخابرات الفلسطينية، بحسب تعبيره.
حماس تنفي
رئيس اللجنة الداخلية والأمن والحكم المحلي في المجلس التشريعي، والقيادي في حماس، م. إسماعيل الأشقر، نفى وجود أي نوع من الفلتان الأمني أو إمكانية عودته إلى قطاع غزة، معتبراً كل ما يقال عن عودة الفلتان الأمني تضخيماً إعلامياً غير صحيح.
وفي حديثه لـ"شمس نيوز" طمأن الأشقر أبناء الشعب الفلسطيني بأنه لن يكون هناك عودة للفلتان الأمني، منوهاً إلى أن الأجهزة الأمنية تعد الخطط لمتابعة وملاحقة من يحاول أن يفتعل مشاكل، سواء كانت مشاكل تنظيمية أو فردية" على حد قوله.
لا يوجد فلتان
المتحدث باسم الشرطة في غزة أيمن البطنيجي، أكد ما تحدث به النائب الأشقر بعدم وجود فلتان أمني في غزة، رغم وقوع بعض التفجيرات التي تؤرق المنظومة الأمنية، وتعيد أحياناً التفكير في شبح الفلتان.
وذكر البطنيجي في حديثه لـ"شمس نيوز" أن الأجهزة الأمنية في غزة تتابع الأحداث عن كثب، ولديها بعض الخطوط الأولية لقضايا تفجيرات، منوهاً في الوقت ذاته إلى أن الأجهزة الأمنية بغزة تعاني من فراغ أمني لعدم وجود وزارة لها حتى هذه اللحظة.
وكانت وزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة، أعلنت أنها اعتقلت عددا من المتورطين في تدبير انفجارات استهدفت سيارات تعود لقياديين في حركة فتح، وقعت مؤخرا.
وقال إياد البزم، المتحدث باسم وزارة الداخلية، التي تديرها حركة حماس، في بيان وصل "شمس نيوز" نسخة عنه، إن الأجهزة الأمنية اعتقلت عددا من المتورطين في الانفجارات الأخيرة بغزة، بعدما كشفت أن جزء كبيرا منها كان ناجما عن خلافات تنظيمية داخل حركة فتح، وفق قوله، مؤكداً أن الداخلية "لن تسمح بعودة مظاهر الفوضى والفلتان في قطاع غزة".
وفيما يتعلق بمتابعة هذا الأمر أكثر، قال رئيس اللجنة الداخلية والأمن في المجلس التشريعي، إسماعيل الأشقر إن هذا الموضوع مسيطر عليه بشكل كبير.
وأضاف الأشقر: استطعنا أن نتحقق من الذين يحاولون العبث، وتم إلقاء القبض على أغلبهم في شمال غزة وفي مناطق أخرى".
واستطرد بالقول: من خلال التحقيقات مع الجناة توصلنا إلى نتيجة أن هؤلاء لهم تواصل مع رام الله، ولدينا أسماء طُلب منهم أن يفتعلوا المشاكل في قطاع غزة"، موضحاً أن هناك فئة تريد عودة الفلتان الأمني في غزة.
مؤسسات حقوقية تحذر
وعبّرت مؤسسات حقوقية عن قلقها من استمرار حالة الفلتان الأمني في قطاع غزة، الأمر الذي قد ينذر بفوضى شاملة وغياب لدور المؤسسات التي يقوم على كاهلها عبء بناء الدولة الفلسطينية.
الناشط الحقوقي، جميل سرحان، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، رصد لنا سلسلة من الحوادث امتدت منذ بداية العام الحالي وحتى صياغة تحقيقنا هذا، ليقول: خلال متابعتنا تبين أنه في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الماضي، وفي الشهر الأول وقعت أحداث تختلف عن سابقاتها".
وأضاف سرحان لـ"شمس نيوز": هذه الأحداث كان أغلبها تفجيرات، كتفجير أبواب منازل قيادات حركة فتح وانفجار المنصة التي تم إعدادها لإحياء ذكرى وفاة ياسر عرفات، ولاحظنا حوادث ما يقارب من أربع إلى خمس سيارات وحالات اختطاف كاختطاف مستشار السفارة الهولندية في قطاع غزة واحتجازه ثمانية ساعات، واحتجاز طبيب والاعتداء عليه بالضرب".
وتابع: لاحظنا مجموعة من التصرفات التي تشكل جرائم كبيرة جاءت إلى جانب حوادث تهديد في الرواتب أو تفجير الصرافات الآلية كما حدث في الصراف الخاص ببنك فلسطين"، منوهاً إلى أن هذه الأحداث في مجموعها، تؤشر وتدلل على أن هناك بداية جدية لانفلات أمني، على حد تقديره.
ودعا سرحان الأجهزة الأمنية لاتخاذ إجراءاتها بشكل سريع، والعمل على ضبط الأوضاع الداخلية وتوفير الأمن للمواطنين، مطالباً حكومة التوافق الوطني بتحمل المسؤولية الكاملة عن قطاع غزة، بما يشمل مسؤوليتها باتجاه صرف الرواتب ودفع الميزانيات التشغيلية للوزارات المختلفة والأجهزة الأمنية.
مؤشرات الفلتان
من جهته، يرى المحلل السياسي أكرم عطا الله أن كل التفجيرات التي تمت في قطاع غزة، هي مؤشرات للفلتان الأمني، موضحاً أن الأمور تنفلت رويداً رويداً في القطاع، وتفتح تساؤلات كثيرة حول الأسباب والخلفيات والنتائج.
واستغرب عطا الله في حديثه لـ"شمس نيوز"، من عدم توقيف الأجهزة الأمنية حتى هذه اللحظة لأي من المنفذين أو العناصر التي ارتكبت هذه الجرائم، مضيفاً : نحن اعتدنا على أن الأجهزة الأمنية في غزة تكشف عن حوادث القتل خلال ساعات".
ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية في غزة قد طورت من إمكانياتها وقدراتها العسكرية ورفعت من مستوى كفاءاتها خلال السنوات القليلة الماضية، موضحاً في ذات السياق، أن المواطن الغزي يدرك جيداً ما الذي يحدث.
وقال المحلل السياسي: لا أحد يريد أن يتحدث صراحة عن هذا الموضوع، والكل يعرف أن الأمر ربما يكون له أسباب أو أهداف سياسية، ولكنه ليس انفلاتاً خارجا عن السيطرة، بل هو انفلات ربما يكون تحت السيطرة".
الفصائل تستنكر
الفصائل الفلسطينية، استنكرت التفجيرات التي تحصل في قطاع غزة بين الفينة والأخرى، محذرة في الوقت ذاته من فوضى وفلتان أمني قد يعصف بالقطاع ويدخله في دوامة عنف لا تحمد عقباها.
الجبهة الشعبية عقبت على ما يشهده قطاع غزة من خطوات تصعيدية ووصفته في بيان لها بـ" الأعمال المقصودة"، موضحة أن هذا السلوك المدان "طريق يقود إلى تعقيد وتعطيل الجهود المبذولة وطنياً من أجل حل كافة القضايا ومنها رواتب الموظفين وفقاً للاتفاقيات الموقعة".
أما جبهة النضال الشعبي، فحذرت من الفلتان الأمني وحالة الفوضى التي تضرب قطاع غزة ويتم تسجيلها ضد مجهولين، مستنكرة الأعمال الخارجة عن عادات وتقاليد شعبنا من تفجير الصرافات الآلية للبنوك، وتحطيم كاميرات المراقبة الخاصة في أكثر من فرع لبنك فلسطين وتفجير مولد الكهرباء لمنزل الناطق باسم الحكومة إيهاب بسيسو وغيرها من أعمال الشغب.
ومن جهته، استنكر حزب الشعب قيام مجهولين بالقيام بأعمال التفجيرات دون الكشف عن منفذيها، مشددة على أن هذه الأعمال تقود قطاع غزة إلى حالة من الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم بمداها.
سلسة حوادث
وكانت مؤسسات حقوقية قد تابعت سلسلة من الحوادث امتدت منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، وتمثل في الاعتداء على عدد من الشخصيات وممتلكاتها وعلى مؤسسات عامة دون أن يتم التوصل إلى الكشف عن أية نتائج للتحقيقات.
حيث قام أشخاص مجهولون ملثمون بإطلاق النار تجاه سيارة المواطن مأمون سويدان القيادي في حركة فتح ومسؤول العلاقات الدولية في الحركة، بتاريخ 16/2/2015، أثناء توقفها أمام منزله في منطقة تل الهوى بمدينة غزة، أسفر عن إصابة مرافِقَيه ياسر عليان وسلامة عويدات وتم نقلهما إلى مستشفى الشفاء بالمدينة.
وتم إحراق سيارة المواطن رمضان الناعوق، مقدم في وزارة الداخلية والأمن الوطني، بتاريخ 15/2/2015، أثناء توقفها أمام منزله في مدينة جباليا شمال القطاع ما أدى إلى احتراقها كلياً. وفي نفس التاريخ، تم وضع عبوة ناسفة أمام منزل المواطن خليل الجريسي من مخيم المغازي وسط القطاع، وهو ضابط متقاعد في الشرطة الفلسطينية وقيادي في حركة فتح.
وقام مجهولون بإحراق سيارة المواطن عبد المنعم الطهراوي والذي يعمل في مركز الديمقراطية وحل النزاعات بمدينة غزة أثناء توقفها أمام منزله في مخيم النصيرات وسط القطاع ما أدى إلى احتراقها كلياً.
وبتاريخ 3/2/2015 قام مجهولون باختطاف المواطن محمد المغير من أمام منزله بمدينة غزة ويعمل مستشاراً لدى الممثلية الهولندية، واعتدوا عليه بالضرب المبرح لمدة حوالي 8 ساعات قبل أن يلقوه أمام مستشفى الشفاء بغزة. وبنفس التاريخ تم اعتراض سيارة المواطن الطبيب إياد شنن من شمال مدينة غزة وذلك أثناء عودته من عمله من قبل مسلحين يرتدون أقنعة سوداء، وقاموا بتغطية رأسه وتقييده والاعتداء عليه بالضرب المبرح قبل أن يتم إلقاؤه بالقرب من مستشفى الشفاء بمدينة غزة والاستيلاء على سيارته ومقتنيات شخصية أخرى.
وأحرق مجهولون سيارة المواطن أحمد علوان من مدينة غزة وهو قيادي في حركة فتح. كما أحرق مجهولون سيارة المواطن عادل سعدو عبيد من مدينة غزة، يعمل موظفاً في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية وينتمي لحركة فتح، وذلك أثناء تواجدها أمام منزله. بالإضافة إلى زرع مجهولون عبوة ناسفة محلية الصنع أسفل سيارة المواطن حلمي حمدي خلف من مدينة غزة يعمل في الشرطة العسكرية بغزة، أثناء توقفها أمام منزله، ما أدى إلى تدمير السيارة. وأحرق مجهولون مكتب الإدارة في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الواقع في مدينة غزة، بعد سرقة 3 أجهزة حاسوب ومجموعة من المستندات الخاصة بالمؤسسة.