يَحملُ تصريح رئيس حكومة رام الله محمد اشتية بشأن تسجيل عجز مالي في موازنة الحكومة بـ 200 مليون شيكل شهريًا مخاطرَ كبيرةً تجاه الموظفين، لا سيما موظفي السلطة في قطاع غزة، والذين كانوا على مدار السنوات الأخيرة "الحلقة الأضعف" لفرض الإجراءات العقابية تحت حجج "التقشف".
تقارير مالية بالأرقام والإثباتات صادرة عن الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية "أمان"، حول شفافية الموازنة العامة في النصف الأول لعام 2021، تُكذب تصريح اشتية حول الأزمة المالية المفتعلة، وفقًا للخبير الاقتصادي د. أسامة نوفل.
وتساءل د. نوفل عن سبب غياب وزير المالية من التصريحات الحساسة حول الملف المالي، معتقدًا أن السبب هو رغبة بشارة عدم إحراج نفسه أمام المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، في تصريحات غير صحيحة هدفها سياسي فقط.
تصدير الأزمة
وأكد د. نوفل لـ "شمس نيوز" أن الهدف من تصريحات اشتية إحالة المشكلة وتحويلها إلى قطاع غزة، واستجداء العالم الخارجي بضرورة مساعدة السلطة الفلسطينية، رغم وجود وعودات قوية باستئناف المساعدات الأوروبية وكذلك الأمريكية.
وأشار إلى، أن القرارات السابقة لحكومة اشتية تُدلل على أن الهدف من التصريحات الحالية استهداف غزة، قائلًا: "أخشى أن تتحول الأزمة المالية المفتعلة ضد القطاع، كما جرى سابقًا من إحالة نحو 22 ألف موظف مدني وعسكري للتقاعد، وحوالي 7 ألاف موظف توقفت رواتبهم من أسر الشهداء والأسرى والجرحى، وعدم صرف مستحقات 75 ألف أسرة فقيرة بغزة خلال عام 2021 سوى مرة واحدة، إضافة إلى تخفيض الإنفاق على التعليم والصحة في غزة".
ويرى د. نوفل أن الخوف الكبير الآن يزداد بفرض عقوبات جديدة في عدة مجالات، في حال لم تسر المرحلة الثانية من انتخابات البلدية وفق ما تريده السلطة في قطاع غزة "وهذه خطيرة جدًا".
وشدد على، أن الأزمة المالية الحقيقية في السلطة تتمثل في عدم التزامها بتخفيض النفقات الخيالية لكبار الشخصيات والنفقات غير المجزية، ففي حال أدارت الحكومة النفقات العامة بالطريقة الصحيحة لن تكون هناك أزمة لدى السلطة، وفق نوفل.
واستذكر د. نوفل تقريرًا صادرًا عن الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية "أمان" حول شفافية الموازنة العامة في النصف الأول لعام 2021، والتي أعلنت فيه أن الإيرادات العامة للسلطة الفلسطينية خلال النصف الأول من 2021، قد حققت زيادة بمقدار 6% عن مقدر الموازنة (حجم الإيرادات للسلطة زادت)، وتبين أن الإيرادات المحلية قد ارتفعت بنسبة تزيد عن 20% ضرائب محلية "ضريبة الدخل وضريبة القيمة مضافة على الأرباح والرسوم المختلفة".
وأشار تقرير أمان إلى، أن النفقات العامة للسلطة تراجعت بنسبة 18% نتيجة للإجراءات المتخذة على سبيل المثال لحالة التقاعد وتخفيف الانفاق في مجال التعليم والصحة بالذات على قطاع غزة.
والمتتبع لما تُصدره مؤسسة "أمان" وفقًا للدكتور نوفل يرى أن هناك مشكلة تكمن في السلطة، قائلًا: "هناك حجم إنفاق غير ضروري يظهر بشكل كبير في النفقات التشغيلية للسلطة الفلسطينية، وخاصة نفقات الأمن والرأس مالية للسلطة".
وأوردت أمان في تقريرها أن السلطة اشترت 120 سيارة للأمن الوقائي و80 سيارة للمخابرات العامة، وهذا دليل على أن هناك إنفاقًا كبيرًا جدًا في مجالات غير دقيقة، وغير صحيحة، وغير مطلوبة، وفي نفس الوقت هناك إجحاف بحق الإنفاق على قطاع غزة، والدليل على ذلك عام 2021، الذي شهد مجزرة في موضوع الإنفاق على بند برنامج مكافحة الفقر، الذين لم يتقاضوا إلا مرة واحدة "الشؤون الاجتماعية"، وهذا يعكس عدم اتزان في الإنفاق لدى السلطة.
ويستند اشتية في تصريحاته على أن مساعدات المانحين في عام 2021 للأراضي الفلسطينية تراجعت بنسبة 85%، والسبب في ذلك وفقًا للدكتور نوفل: "أن الولايات المتحدة أحجمت عن دعم موازنة السلطة؛ حيث قدمت الدعم لوكالة الغوث.
وبالنسبة للاتحاد الاوروبي الداعم الأكبر لموازنة السلطة، فقد تم إيقاف الدعم مباشرة بعد اغتيال السلطة لناشط السياسي نزار بنات؛ إذ بدأ الاتحاد الأوروبي يُعيد حساباته بالنسبة للسلطة؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك مساعدات يقدمها الاتحاد في ظل غياب حقوق الانسان الأساسية بالضفة، وفقًا للدكتور نوفل.
حل واحد فقط
ويرى الخبير الاقتصادي أسامة نوفل، أن السلطة يجب أن تخفض نفقاتها التشغيلية والرأس مالية لإنهاء المشكلة، قائلًا: "للأسف الشديد رغم تراجع المساعدات الدولية لم تستجب السلطة لمناشدات المحللين الاقتصاديين: بضرورة تخفيض الإنفاق العام والخاص "التشغيلية والرأس مالية"، هنا جاءت المشكلة الاقتصادية التي يتحدث عنها اشتية.
وقال: "كان الأولى لاشتية خفض الإنفاق العام في الرواتب العليا من الوزراء الذين يتقاضون رواتب أكثر من 13 ألف شيكل و50% نفقات داخلية للوزير، إضافة إلى خفض رواتب السفراء التي تبلغ 14 ألف شيكل شهريًا، و50% بدل غلاء معيشة، و30% بدل سكن".
وأشار إلى، أن هذه النفقات الكبيرة جدًا هي التي أحدثت الأزمة، وليس كما يدعي اشتية بأن السلطة تعاني أزمة 200 مليون شيكل شهريًا.
ومن المعروف أن السنة المالية للحكومة تبدأ في شهر فبراير من كل عام، إذ تبدأ أي تغيرات مالية على رواتب الموظفين في بداية مارس، وقد بدأت أول خصومات من الرواتب في شهر مارس 2017 ولحقتها خصومات أخرى في ذات الشهر من عام 2018.