خالد صادق
عندما نتحدث عن الحالة التلاحمية بين الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة, فإننا نعني ما نقول, فالأحداث تتجسد واقعا على الأرض, والافعال تدل على صانعيها, فعندما يصمد الشعب الفلسطيني في وجه الصواريخ المدمرة التي تطلقها طائرات الاحتلال على منازلهم, ويرفض أهالي الاحياء الشعبية القريبة من الحدود مع الاحتلال هجرة منازلهم هربا من القصف الصهيوني الذي يستهدفهم, وعندما تقتحم الجماهير المناطق الحدودية المتاخمة للقطاع لتشتبك مع جنود الاحتلال, فهذا معناه ان التلاحم الشعبي مع المقاومة الفلسطينية الباسلة وصل الى الفداء بالروح والدماء والمال والنفس والابناء, وهو اصدق تعبير يقدمه الشعب الفلسطيني لمقاومته ليدلل على عرفانه بالجميل, وتقديره للتضحيات, وتغليبه للواجب على الإمكان, فالشعب الفلسطيني المعطاء عودنا دائما على مواقفه المتقدمة, ودائما ما يشعر الفلسطيني ان عطاءاته تتقزم امام عطاء المقاومة ورجالها الذين يحملون ارواحهم على اكفهم, ويضحون من اجل دينهم ووطنهم وشعبهم, يتركون بيوتهم وابناءهم وامهاتهم وزوجاتهم ليدافعوا عن الوطن والشعب والهوية, باقل الإمكانيات, وبقدرات قتالية لا تضاهي جزء ضئيل مما يملكه الاحتلال الصهيوني المجرم من ترسانة أسلحة متقدمة وفتاكه, لكن مقاومتنا تستعيض عن ذلك بتسلح بإيمانها وعقيدتها وارادتها التي لا تلين, فاليد تستطيع ان تقاوم المخرز, والفلسطيني يصنع المعجزات لأنه لا يؤمن بالمستحيل.
اسوق هذه المقدمة بعدما رأيت المجاهدين من فصائل المقاومة الفلسطينية يجوبون الشوارع والازقة والحارات لإغاثة الاسر الفقيرة التي غرقت بيوتها بمياه الامطار, ويعاني أطفالهم من البرد القارس, كان المجاهدين يحملون معهم بعض الاغطية والملابس وشيئا من الطعام ليقدموه لتلك الاسر ويخلونهم من منازلهم الغارقة بالمياه الى مناطق امنة, كانت السواعد تمتد برفق وحنان لتحتضن الأطفال المرتعشين من شدة البرد لتبث الدفء في أجسادهم النحيلة, لتتجسد الحالة التلاحمية كالمعتاد بين المقاومة والشعب الفلسطيني في الازمات, فكلا منهما مكمل للآخر, ولا يدرك حلاوة هذا المشهد التلاحمي الا من قام به او رآه بام عينه, الصورة تعبر عن نفسها والمشهد لا يكتمل الا بدعوة ام للمجاهدين الابطال, او بسمة طفل يصنعها بيد حانية, او تحية شيخ لذاك المتصدق بروحه وكل ما يملك لأجل اسعاد أبناء شعبه والتخفيف من معاناتهم, هل يمكن ان يتصور احد ان هذا الشعب سيتخلى يوما عن مقاومته ويتركها فريسة للاحتلال الصهيوني, وهل يمكن لاحد ان يتخيل ان تقوم المقاومة بالتخلي عن واجبها تجاه شعبها, وهى التي اتخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن هذا الشعب والذود عنه, ان الحصار الجنوني المفروض على قطاع غزة منذ اكثر من خمسة عشر عاما جسد حالة التضامن الاجتماعي بين ابناء شعبنا الى حد كبير, والا كيف يمكننا ان نتغلب على هذا الحصار الظالم الا بالتضامن والتلاحم فيما بيننا.
رجال المقاومة الفلسطينية تجدهم في كل مجال, في الحروب وفي الازمات وفي الأحوال الجوية السيئة, وفي الكوارث الطبيعية, فهم نذروا انفسهم لله عز وجل ولأبناء شعبهم, وقد تعودوا على البذل والعطاء بلا حدود, فحدودهم هي التخفيف عن هذا الشعب الفلسطيني العظيم ورفع الأعباء عن كاهله, ولا يمكن ان نغفل الدور الكبير لرجال الدفاع المدني والفرق التطوعية والمبادرات الشبابية والبلديات والأجهزة الأمنية التي عملت على مدار الساعة للتواصل مع المواطنين والأسر المتضررة من المنخفض الجوي, وان كنا نخص هنا رجال المقاومة ذلك لأننا نحفظ لهم جهدهم وجهادهم وتضحياتهم, فلم يمنعهم شيء عن القيام بواجبهم تجاه شعبهم الفلسطيني, فالتماسك المجتمعي هي دائما العنوان الأبرز للنصر والثبات في وجه الاحتلال, وما يهمنا دائما ان تبقى جبهتنا الداخلية قوية ومتماسكة وقادرة على الصمود في وجه الازمات, والمقاومة الفلسطينية هي رمز للعطاء, وهى الرقم الصعب الذي لا يستطيع احد ان يتجاوزه, فلا تغرنكم تلك الحملات المشبوهة التي تحاول ان تنال من مقاومتكم الباسلة ومن رموزها, لان المقاومة تغلغت في قلوب الملايين ليس لدى شعبنا الفلسطيني فحسب, انما لدى الامة جمعاء التي ترى في المقاومة الفلسطينية انها الامل الذي تحيا عليه للخلاص من كل هذا الشر الذي يحيط بها من كل مكان, وان المقاومة العنوان الاصدق لاستعادة الامة لأمجادها وحضارتها وريادتها من جديد.