جنين في المقدمة دائمًا؛ إذ لم يغب اسمها عن مرحلة من مراحل الصراع مع المحتل؛ فكانت الشوكة الصعبة في حلق "إسرائيل"، والتي ظنت أن مجزرة جنين عام 2002 ستكسر هذه الشوكة.
20 عامًا على المعركة، لم يهدأ المخيم يومًا، وإن تفاوتت حدة العنفوان يوما عن الآخر، جنين اليوم في صدارة المشهد؛ إذ بات فيها تشكيلات مسلحة، تبدو وكأنها تعمل بشكل منظم، عنوانها "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس، و"حزام النار"، التابعة لكتائب شهداء الأقصى.
ومؤخرًا، نفذ مقاومو جنين عدة عمليات إطلاق نار، اُعلن عنها رسميًا عبر منصات التشكيلات المسلحة، في حين ارتقى عدد من الشهداء، كان آخرهم الشهيدين عبد الله الحصري وشادي نجم، ارتقيا في اشتباك مسلح مع الاحتلال في جنين بالضفة المحتلة.
معطيات تفتح السؤال حول ما إذا كانت جنين تفرض معادلة جديدة في الصراع مع المحتل، وما إذا كان نموذج غزة سيكرر في الضفة المحتلة ؟.
المخيم تحديدًا
الأسير المحرر والقيادي في حركة الجهاد الإسلامي أسامة الحروب، أشار إلى أنه ومنذ معركة "سيف القدس"، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، قررت جنين أن تصنع نموذجًا جديدًا لمقاومة الاحتلال وملاحقته.
وقال الحروب في حديث لـ"شمس نيوز": "منذ مايو الماضي لم يقتحم الاحتلال المدينة سوى 3 مرات، ولم يخرج منها سالمًا"، مبينًا أنه خلال تلك الاقتحامات؛ كان للمقاومة في المدينة كلمتها من خلال ملاحقته وإطلاق النار تجاهه.
وشدد على، أن جنين، ومقاومتها، وشعبها، ملتف حول المقاومة والمواجهة، وقول كلمة "لا" في وجه الاحتلال، وخيار السير على نهج الشهداء، وخيار الثبات رغم كل الأثمان التي تترتب عليه، لافتًا إلى، أن ما يجري يعد استئناسًا بتجربة قطاع غزة، الذي جعلته المقاومة بإرادتها وقوتها محرمًا على العدو، ومحافظًا على القضية الوطنية، ومذلًا للكيان الصهيوني.
وأضاف: "اليوم الوحدة الميدانية المنظمة لأبطال المقاومة في جنين، تأتي في إطار الحفاظ على الوحدة الميدانية في مواجهة الاحتلال، بعيدًا عن وحدة يراد بها التجارة بدماء الشهداء".
وتابع الحروب "ما يفرقنا هو الاحتلال وأذنابهم، وتلك الاتفاقيات السوداء التي داسها الشهداء بأقدامهم، ولم يعد يتمسك بها أحد سوى الفاسدين والمستفيدين من هذه الاتفاقيات، نحن أمام طريق مرحلة تحرير، وأول خطوات هذه المرحلة توحد المقاومة والشعب، وتبني الشعب لخيار المقاومة".
تدريب بالنار
من ناحيته، يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري محمود العجرمي، أن الفصائل في جنين، والضفة الغربية استفادت من تجربة قطاع غزة، وعلمت نقاط ضعف وقوة العدو.
وقال العجرمي في حديث مع "شمس نيوز": "ما يجري في جنين عبارة عن تدريب بالنار تقوم به المقاومة الفلسطينية في الضفة؛ ردًا على محاولات الاحتلال اقتحام المدن الفلسطينية"، مشيرًا إلى، أن ما يجري في جنين ومخيمها نموذج للتصدي للاحتلال وتدفيعه ثمن الاقتحامات، منوهًا إلى، أن العديد من مدن الضفة كنابلس ورام الله شهدت ذات المقاومة، ولكن بوتيرة أقل.
وأبدى المحلل السياسي اعتقاده بأن هناك تنسيقًا بين فصائل المقاومة، وتنظيمًا لهذا الفعل المتراكم، وتقاطعًا واضحًا بين نماذج المقاومة الشعبية المستمرة، والتي تشكل بيتًا نموذجًا لها مع المقاومة المسلحة.
وقال العجرمي: "المقاومة في غزة هي مصدر إلهام لمقاومة جنين، وهي امتداد طبيعي لذات الفصائل والمجاهدين، ومعركة سيف القدس هي العنوان الذي توحدت حوله كل فصائل العمل الوطني المقاوم".
وأضاف "الصهاينة وإعلامهم يقدرون أن الضفة مقبلة على انتفاضة شعبية كبرى، ستشكل تسونامي المرحلة المقبلة"، لافتًا إلى، أن المشكلة التي تواجه المقاومة أنها ليست فقط ضد الاحتلال وتغوله ضد شعبنا.
وأوضح أن الخطورة الأخرى والكبرى أمام المقاومة هي التخابر الأمني من السلطة مع الاحتلال، واصفًا التنسيق الأمني بأنه خيانة، وأن من يقوم به يعمل كطابور خامس في عقر الدار.
وقال "دون أن تأخذ المقاومة بعين الاعتبار هذه الصورة على المستويين السياسي الوطني، والإجرائي الميداني، ستستمر المقاومة بمواجهة مشكلات حقيقية وجدية".
وبحسب الخبير الاستراتيجي، فإن الاحتلال لم يستطع أن يقترب من جنين، أو مخيمها، أو اغتيال الشباب الثلاثة في نابلس إلا بعمل مجرم للمتخابرين من سلطة المقاطعة.
وختم العجرمي حديثه بالاعتقاد أنه بات ضروريًا إعلان الفصائل المقاومة الفلسطينية بأن تأخذ موقفًا لمواجهة تخابر السلطة؛ لما تعمله بشكل وثيق مع الاحتلال لإنهاء ظاهرة المقاومة.