بعد تعافي قطاع غزة من جائحة كورونا، ورفع بعض القيود التي كانت مفروضة أبان تفشي الجائحة؛ كالتباعد الاجتماعي، والصلاة في المنازل، وإغلاق المدارس، يطل شهر رمضان المبارك على الغزيين هذا العام وقد تحرروا من تلك القيود، خاصة وأن رمضان الماضي كان حزينا وقاسيا على الغزيين؛ بسبب الحرب التي حالت دون إيفاء العبادات حقها، والأنماط الاجتماعية التي دأب الغزيون على القيام بها خلال الشهر الفضيل.
أما عيد الفطر العام الماضي، فقد أفسدته الصواريخ والطائرات الإسرائيلية، وسالت فيه دماء الشهداء الطاهرة، واضطرت فيه مئات العائلات المسالمة للنزوح عن بيوتها، وتعالت فيه أصوات النحيب والبكاء، وغاب عنه الفرح الذي ناب عنه الحزن والحداد بدلا من أن يكون بنكهة كعك العيد وتجهيزاته.
ذكريات أليمة
تستذكر إسراء الشامي، وهي مواطنة من قطاع غزة التفاصيل المؤلمة لتلك الأيام، وتقول لـ"شمس نيوز": نحن حرمنا من تأدية الشعائر الدينية العام الماضي؛ بسبب العدوان الإسرائيلي، فكان عدوانا شرسا وقاتلا".
وتكمل الشامي حديثها :" في كل عام نبدأ بالتجهيزات والتحضيرات لاستقبال شهر رمضان، فنزين زوايا المنزل، ونشتري الفوانيس والأطعمة المختلفة، ونحضر مكونات الكعك والحلويات، ولكن العام الماضي كان هناك جائحة كورونا، ولم نستطع ان نزين المنزل، ونزور صلة رحمنا؛ بسبب الجائحة. وبآخر أيام شهر رمضان اندلعت الحرب".
وتضيف " أتذكر في بداية الحرب عشرات الشهداء قضوا باستهداف شمال القطاع؛ الأمر الذي أوجع قلوبنا وأبكاها، حتى أنه لم يتسن لنا مواصلة الشعائر الدينية، ولا صلاة العشر الأواخر بشكل طبيعي حتى بالمنزل؛ بسبب الخوف والفزع".
وتستذكر الشامي حالة الأطفال حينها، إذ كانوا لا يتوقفون عن سؤالها ب: هل ستنتهي الحرب؟ وهل سنشتري ثياب العيد، وسنذهب للاحتفال بالعيد؟ ".
أما أم احمد كساب إحدى المواطنات من قطاع غزة، والتي تعكف باستمرار على صلاة التراويح بمسجد أبو خضرة وسط غزة، ولكن الاحتلال حرمها العام الماضي من أداء العشر الأواخر بالمسجد، تقول: " العام الماضي كنت حزينة جدا، أطفالي الصغار كانوا يرغبون بارتداء ملابس العيد، ولكن الحرب قطفت فرحتهم".
وتعبر كساب عن فرحتها بأن الصلاة هذا العام متاحة بالمساجد، وتقول :" ، لم أذهب للمسجد منذ عامين؛ بسبب جائحة كورونا، والعام الماضي اندلعت الحرب، ولم استطع الذهاب ،أجواء شهر رمضان جدا جميلة، وفيها شعور لا يوصف، العام الماضي كان أصعب رمضان يمر على قطاع غزة، ولكن هذا العام بإذن الله سيكون مختلفا وجميلا لجميع أهالي قطاع غزة".
شوق للشهر الفضيل
زينة أحمد، طفلة عمرها عشر سنوات، والتي غمرتها مشاعر الشوق والفرح هذه السنة لاستقبال رمضان والعيد، والتي بدأت تخطط أين ستذهب مع عائلتها لقضاء وقت ممتع هذا العام، تقول:" أنا سعيدة جدا لقدوم رمضان والعيد ، ذهبت لوالدتي وقلت لها أريد أن أشتري ثياب العيد؛ فالعيد الماضي عندما بدأنا بتجهيز انفسنا بآخر أيام رمضان لشراء ملابس العيد؛ أتت الحرب سريعة ولم نشترِ ثيابا لي ولإخوتي الصغار.
وتكمل" العيد الماضي إسرائيل حرمتنا منه، ولكنني جدا حزينة على الأطفال الذين حرموا من عائلاتهم، والأطفال الذين استشهدوا العام الماضي".
من السلف إلى الخلف
الدم الدافق الذي سال في شوارع القدس العتيقة والذي تناقلته كاميرات العالم، عاد بالمدينة المقدسة إلى صدارة الأحداث الدولية، و ألقى صداه في نفوس الفلسطينيين عامة، والغزيين خاصة.
ومن السلف إلى الخلف، تظل القدس حاضرة في وجدان الغزيين على اختلاف أعمارهم، وطبقاتهم الاجتماعية، وميولهم السياسية ، ثمة جيل عاصر القدس، وثمة جيل محدث تعرف إلى القدس من خلال حكايات أسلافه ، وبين زمنين تظل القدس حاضرة في الذاكرة الفلسطينية، والشعور الجمعي، والوجدان الشعبي.
المقدسيون أيضا يعانون باستمرار من سياسة القمع، والتنكيل، ومصادرة أملاك المقدسيين، وتقييد حرياتهم في المدينة المقدسة، والانتهاكات والاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى، وحرمانهم أيضا من تأدية فروضهم الدينية بشكل اعتيادي وطبيعي.
الكاتبة والروائية زهرة خدرج، وهي مواطنة من قلقيلة والتي أغلب كتاباتها عن المسجد الأقصى وقطاع غزة ، حيث تربطها علاقة شعورية وثيقة بينهما، تعجز الحروف والكلمات عن وصفها ، بدأت حديثها لنا بتنهيدة طويلة؛ نظرا لحبها الشديد للمسجد الأقصى ، تقول:"شهر رمضان في كل مكان له طقوسه الخاصة التي لا يخلو بيت منها ، ولكن أجمل الطقوس هي توجه مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليس فقط في يوم الجمعة، وإنما في جميع أيام الأسبوع الى المسجد الأقصى ، حيث أننا ننطلق قبل الظهر من مناطق الضفة دخولا للخط الأخضر، والذي يشكل رحلة شاقة لنا جميعا، والتي تحفها الكثير من المخاطر من احتماليات الاعتقال، والتوقيف على الطرق المؤدية للقدس، أو في أروقة البلدة القديمة وصولا لبوابات المسجد الأقصى، ولكننا رغم كل هذه الصعوبات لا نتوقف عن محاولات الذهاب والصلاة بالأقصى، و تكون رحلة جميلة جدا، كيف لا؟ والصلاة به تعادل خمسمائة صلاة".
الأقصى وغزة أحبهما
وتضيف خدرج قائلة بفرح :"عندما ننطلق بالحافلات للذهاب للمسجد الأقصى في شهر رمضان يغمرني شعور رائع، وهمة كبيرة جدا ،فلا أستطيع أن أصف المشاعر التي تعتمر بداخلنا؛ فعندما ننزل درجات باب العمود، أو باب الساهرة، أو طريق المقبرة اليوسيفية تملؤني السعادة والبهجة ، فأنظر حولي؛ أجد القدس تتزين زينة خاصة برمضان، وأضواء ملونة، وبخور بروائح جميلة، وبضائع لا تجدونها إلا في القدس، تعرض في الطرقات، ومصفوفة على البسطات".
وتكمل بالقول :"عندما ننتهي من جولاتنا وصلواتنا يتجمع الناس جماعات على الإفطار، ويتشاركون اللمة، والصلاة، والبهجة، و نبدأ بالتحضير للإفطار، فهذه لذة لا أظنني اجدها في أي مكان آخر حول العالم ، فالجميع يحضر معه قدور اللحمة، والأرز، والحلويات كالقطايف ،إضافة إلى وجبات جاهزة توزع على المصلين وأيضا ".
وتضيف خدرج:" رغم هذه الفرحة الكبيرة إلا انها منقوصة؛ لأننا لا نستطيع الدخول إلا بذل من أمام المحتلين ، فانتهاكات المستوطنين لا تتوقف في أي وقت ويدخلون أقصانا تحت حماية قوات اليسام وشرطة الاحتلال مدججين بالأسلحة، ويتمادون بممارسة طقوسهم التوراتية دون أي رادع ، يفتح أقصانا للمستوطنين المتطرفين، بينما يحرم قطاعات كبيرة من شعبنا الفلسطيني، ليس فقط أهلنا في غزة، وإنما في الضفة ومناطق تقع خارج القدس، رمضان الماضي عندما سقطت صواريخ المقاومة في غزة على عسقلان والمدن القريبة، كنت في ذلك الوقت في المسجد الأقصى ، فانطلقت التكبيرات على وقع الصواريخ، وأقسم لكم أنها كانت ساعات نصر لنا، فتطوير غزة لأسلحة وصواريخ من مواد بسيطة، وبإمكانيات ضئيلة، هددت بها وجود هذا الكيان الغاصب؛ دفع الضفة لأن تنهض، وتنتفض، وتكسر القيود التي كانت تكبلها ".
المسجد الأقصى بيتي
أما أحمد بخاري، فهو مقدسي، و يذهب يوميا للمسجد الأقصى ، يقول لموقع آخر قصة :"أعتبر المسجد الأقصى بيتي، والنقطة الأقرب بين الأرض والسماء، ولا تفوتني صلاة به إلا إذا كنت خارج البلاد، فبيتي بالقدس العتيقة، وقريب على المسجد.
أما عن الانتهاكات والاقتحامات فيقول بخاري: إنها يومية للمسجد الأقصى منذ الصباح حتى قبل صلاة الظهر، عدا يوم الجمعة، ولكن هذه الانتهاكات لا تمنع المقدسيين من أداء الصلوات الخمسة، والرباط الدائم و بأعداد كبيرة. الاستعدادات هذا العام في المسجد الأقصى جارية لشهر رمضان من حيث الصلوات، خاصة صلاة التراويح، والجمع، وإقامة حلقات العلم والذكر الرمضانية، وموائد الإفطار اليومية، والتي يشارك بها الآلاف من العائلات المقدسية.
ويستذكر بخاري العام الماضي فيقول :" كانت الأوضاع متوترة، وكورونا أيضا، وكانت أعداد المصلين قليلة، ولكننا نأمل هذا العام زيادة الأعداد، والسماح للمصلين بالدخول للأقصى، مثل مواطنين قطاع غزة والضفة الغربية أيضا ".
ويختتم بخاري قائلا:" أما فيما يخص أهل غزة، وحرمانهم من الوصول للأقصى، أعتقد أن الوقت قريب ليعودوا اليه، وهذا وعد رباني، ولهم ثواب الرباط فيه؛ لأن قلوبهم، وعقولهم، ووجدانهم، معلقة بقدسهم وأقصاهم".