بقلم/ حمزة حماد
في مثل هذه الأيام يحتفل شعبنا الصامد في كل أماكن تواجده بذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف تاريخ 17 نيسان من كل عام، والذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية وذلك خلال دورته العادية يوم السابع عشر، لاعتباره يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى الفلسطينيين وتضحياتهم المشرفة. تحتل قضية الأسرى أهمية كبيرة لدى شرائح المجتمع الفلسطيني، لا سيما منهم الأسرى الصحفيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويدفعون ضريبة الكلمة الحرة وتوثيق جرائم المحتل بالصوت والصورة، كما ينقلون الحقيقة إلى العالم الخارجي أيضًا، بل ويدافعون عن حقوق شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال وتقرير المصير عبر رسالتهم الإعلامية.
كلما تمر هذه الذكرى، يزداد شعبنا والصحفيون والإعلاميون جزءا منه تمسكًا بالحقوق والثوابت الوطنية عبر تغطية حالة النضال الشعبي المستمرة، وتكثيف عملية التضامن والاسناد، إضافة لتوحيد الجهود التي تعمل على نصرة هذه القضية العادلة من أجل تسليط الضوء عليها والضغط من أجل نيل الأسرى حريتهم المشروعة، والوفاء لشهداء وأبطال وعائلات الحركة الأسيرة كافة في سجون الاحتلال.
وأمام الأحداث الجارية في مدينة القدس والضفة الفلسطينية، نجد تزايد ملحوظ في حجم الانتهاكات من قبل الاحتلال بحق الصحفيين من اعتداءات وقمع وتكسير للمعدات وارتفاع واضح في عدد الأسرى المعتقلين في سجونه، ففي احصائية محدثة قدمتها (لجنة دعم الصحفيين) يوجد نحو (16) صحفيًا يقبعون في أقبية التحقيق دون تهم واضحة سوى أنهم يواظبون على تأدية عملهم الأخلاقي والوطني والمهني على أكمل وجه في توثيق جرائم قوات الاحتلال ونقل الحقيقة للعالم، الأمر الذي أزعجه وجعله يعتقد أنه باعتقال هؤلاء "الفرسان" قد يوقف مسيرة ضحى من أجلها الكثير، وأنه بذلك سيغيب من يوثق جرائمه بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، والإشارة هنا أن الصحفيون المعتقلون يعيشون ظروفا صعبة، ويحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية التي أقرتها المواثيق الدولية، حيث بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول لعام 2021 نحو 4600 أسير، بينهم نحو 500 أسير إداري، و34 أسيرة، و160 قاصرا، وفق مؤسسات معنية بشؤون الأسرى.
ويمارس الاحتلال الإسرائيلي العديد من وسائل التعذيب النفسي والجسدي بحق الأسرى المعتقلين، فمن أبرزها: تغطية الوجه والرأس، والشبح، والحرمان من النوم، والحبس في غرف ضيقة (الزنازين)، والحرمان من الطعام، والضرب المبرح، والتعرض للموسيقى الصاخبة، والتهديد بأحداث إصابات وعاهات، والحط من كرامة المعتقل، والتعذيب الجنسي، والحبس الانفرادي، وغيرها من الأساليب الجسدية والنفسية الفظيعة التي مارسها محققي الاحتلال لانتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين ليسقط (73) شهيد في زنازين التحقيق منذ العام 1967 نتيجة للتعذيب الذي تعرضوا له خلال فترة التحقيق، وذلك وفقًا لما نُشر على موقع مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بتاريخ 22-07-2020.
وعلى الرغم من التحذيرات الشديدة التي تطلق من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية وفقًا للنصوص التي صدرت بهذا الخصوص، نجد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تضرب بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية ومنها بشكل خاص: المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على (الحق في حرية الرأي والتعبير)، والمادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه (لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة)، والمادة (2) من اتفاقية مناهضة التعذيب والتي تنص على (عدم تبرير التعذيب) علمًا بأن إسرائيل مصادقة عليها عام 1991م، إضافة للمادة (32) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تقول (تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها، ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضاً أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون)، والمادة (50) من نظام لاهاي التي تنص بأنه (لا ينبغي إصدار أية عقوبة جماعية, مالية أو غيرها, ضد السكان بسبب أعمال ارتكبها أفراد لا يمكن أن يكون هؤلاء السكان مسئولين بصفة جماعية(، والمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه (لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب).
لذلك وفقًا لهذه النصوص القانونية الدولية التي تشكل سياجًا آمنًا وتتصدى لسلسلة الإجراءات الجماعية والعقابية والتعسفية، نجد أن الممارسات والاعتداءات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين ومنهم الأسرى الصحفيين بشكل خاص تًشكل انتهاكًا صارخًا وخطرًا جسيمًا، وتعديًا غير مسبوقًا على واقع الحريات العامة والإعلامية في الأراضي الفلسطينية، بل أن القوانين والمواثيق الدولية أشارت إلى أن هذه الممارسات ترتقي إلى جرائم حرب ويجب تجريمها، وعليه، يجب فضح دولة الاحتلال أمام العالم التي تتغطى بثوب "حقوق الإنسان"، وضرورة تفعيل قرار مجلس الأمن رقم (2222) الصادر منذ العام 2015 الذي ينص على توفير الحماية للصحفيين لممارسة عملهم بحرية، مع التشديد على عدم الافلات من العقاب.
وإزاء مواصلة قوات الاحتلال الاسرائيلي اعتداءاتها بحق الصحفيين من عمليات قتل، واعتقال، وتكسير للمعدات، وتوجيه اتهامات باطلة، وتحريض مستمر، وغيرها من الممارسات التي بحاجة إلى رادع قانوني دولي يجعل من اسرائيل دولة تحت القانون. السؤال، في ظل غياب الضغط الدولي على دولة الاحتلال كيف يمكن مواجهة هذا الخطر الذي يهدد الصحفي الفلسطيني؟ أعتقد أنه آن الأوان لرسم استراتيجية تشمل الجانب المهني والحقوقي للرد على ادعاءات اسرائيل الكاذبة، على أن يكون هذا الدور تعاوني بين مكونات العمل الصحفي والإعلامي الفلسطيني من نقابات واتحادات وأجسام ومؤسسات إعلامية ومؤسسات حكومية أو غير حكومية تهتم بقضايا الصحفيين وترصد الانتهاكات بحقهم.
لذلك، لا بد من دعم قضية الأسرى عبر مجموعة من الخطوات الهامة والتي يمكن أن نلخصها في عدة بنود أهمها: الحث على التغطية المستمرة في الجوانب الإنسانية في قضايا الأسرى بمختلف الفئات، ومخاطبة الاتحادات والنقابات العربية والدولية على ضرورة تنظيم حملات تضامن مع الصحفي الفلسطيني، وتعزيز حضور قضية الأسرى على المستوى الشعبي والوطني، إضافة إلى أهمية إحياء قضية الأسرى بأعمال ممنهجة ترتكز على استراتيجية داعمة للأسرى، إعداد دراسات وأبحاث حول قضايا الأسرى والصحفيين الأسرى بشكل خاص، والعمل على ملاحقة الاحتلال ومحاسبته من خلال التوجه إلى المؤسسات ومحكمة الجنايات الدولية، والدعوة الواسعة للاتحادات والمنظمات الدولية وفي المقدمة منها الاتحاد الدولي للصحفيين من أجل مواكبة الانتهاكات الجارية بحق الصحفيين في الأراضي الفلسطينية وإدانة جرائم الاحتلال بشكل علني وواضح، والتحرك الفلسطيني الجاد في تنظيم مؤتمر عربي أو دولي حول واقع الصحفيين في فلسطين لتحشيد الرأي العام لصالح الأسير والصحفي الفلسطيني.