ما أروعك أبا محمد وأنت تتنقل بين غرفة الدرس حيث تغرس العلم والمعرفة في نفوس طلابك، وبين مختبر صناعة الصواريخ التي فتكت وأرعبت بني صهيون.. ما أروعك وأنت تمزج في إبداع منقطع النظير بين القلم والبندقية.. بين الكتاب والشظية.. ما أروعك وأنت تشق طريقك في الحياة بهدوء ودون ضجيج وتركت خلفك شعب بأكمله يعشق ابتسامتك التي لم تغادر محياك أبدا.. ومضيت في مسيرتك من أجل نصرة المظلومين في الأرض فقدمت كل ما تملك من اجل أن تحيا الأمة من بعدك.. فلم تدع لعينك مساحة للنوم.. ولا لجسدك فرصة للراحة.. وأنت تعد العدة مع إخوانك المجاهدين لتحقيق أكبر قدر من الإيلام في صفوف بني صهيون... فعكفت على تطوير الصواريخ القدسية لتدك المغتصبات الصهيونية الجاثمة على أراضينا المحتلة.
تطل علينا اليوم السبت الموافق 30- 4 ذكرى رحيل الشهيد القائد المهندس عوض عبد الفتاح القيق (أبو محمد)، أحد أبرز قادة وحدة الهندسة والتصنيع لسرايا القدس والذي ارتقى للعلا شهيداً في عملية اغتيال صهيونية جبانة برفح جنوب قطاع غزة.
ميلاد قائد
كان الشهيد عوض عبد الفتاح القيق "أبو محمد" المولود بتاريخ 10/3/1975م في مخيم جباليا للاجئين لأسرة فلسطينية مؤمنة متواضعة الابن الوحيد بين خمسة بنات، بعدما فقدت أسرته شقيقه الوحيد من الذكور محمد شهيداً داخل الأراضي المحتلة.
وينحدر شهيدنا المجاهد من قرية "عراق سويدان" التي دمرتها العصابات الصهيونية قبل ستين عاما داخل أراضينا المحتلة، حيث عانت عائلته من رحلة التشرد والحرمان إلى أن استقر بها المقام في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة، بعد أن مكثت عدة سنوات في مخيم جباليا شمال القطاع.
أصغر مدير
تلقى شهيدنا مراحل تعليمه الأساسي في مدراس وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين بمخيم جباليا، فكان من الطلبة المتفوقين والمتميزين في كافة الأنشطة المدرسية الأمر الذي جعله محط إعجاب وتقدير لدى أساتذته وزملائه، قبل أن ينتقل وأسرته إلى العيش في مخيم رفح حيث أكمل هناك تعليمه الثانوي بتفوق، لينتقل بعدها إلى المرحلة الجامعية حيث التحق بقسم "الكيمياء والفيزياء" ليتخرج منه بتقدير عام امتياز، وسرعان ما التحق بعدها في مجال التدريس بمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
وما هي إلا سنوات قلائل حتى ارتقى شهيدنا المجاهد السلم الإداري في وظيفته الإنسانية الرائعة، ليصبح وكيلا في مدرسة ابن سينا، قبل أن تختاره الوكالة ليصبح مديرا لمدرسة "هـ" الإعدادية حتى استشهاده.
وكان شهيدنا عوض قد تحمل عبء الحياة الأسرية مبكراً حيث تزوج وهو ما زال طالباً يكمل دراسته الجامعية نزولا عند رغبة أهله كونه الوحيد لهم، فرزقه الله أثناء دراسته الجامعية بالتوأم محمد، وميرونا، ثم أحمد، ومحمود ومريم.
كان الشهيد عوض مثالا يحتذى للشباب المسلم المجاهد والمثابر من أجل الآخرين، فلذلك كنت تراه مدرسا في النهار ومجاهدا في الليل، كما كان عطوفا بارا بوالديه رحيما بالضعفاء والمساكين والمحتاجين، وكان لا يتوانى عن تقديم يد العون لكل سائل ومحروم، وان الكثير ممن ساعدهم الشهيد عوض جاءوا إلى بيت عزاءه، وتحدثوا عن أعماله التي ما كان أحداً يعلم بها في حياته.
حياته الجهادية
قليلون من يعرفون حقيقة التحاق شهيدنا القائد عوض القيق بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حيث تفاجأ الكثير عند سماعهم بنبأ استشهاده، فقد ظل الشهيد رحمه الله حريصاً على إخفاء عمله وانضمامه لحركة الجهاد الإسلامي حتى يوم استشهاده.
والحقيقة أن انضمام شهيدنا عوض إلى الخيار الأمل كان في سن مبكرة، وتحديدا خلال دراسته في المرحلة الثانوية العامة عندما التحق بالجماعة الإسلامية فكان أحد المسئولين في الهيئة الطلابية، وظل متواصلاً مع الجماعة الإسلامية، حتى بعد التحاقه بجامعة الأزهر حيث كان مسئولاً عن أنشطة الجماعة داخل الحرم الجامعي، فكان نعم الطالب المجتهد والمتفوق في دراسته والمتواصل جماهيرياً مع زملائه في الحركة الطلابية.
وكان إضافة إلى عمله في الجماعة الإسلامية لا يتوانى عن المشاركة الجادة في كافة أنشطة حركة الجهاد الإسلامي ولا سيما الدعوية والفكرية.
كما شارك شهيدنا بعد تخرجه من الجامعة وعمله كمدرس في إنشاء منتدى المعلم الفلسطيني الذي كان ولا زال له الدور الرائد والشمولي في الدفاع عن حقوق المعلمين وتحقيق الكثير من الانجازات.
أما فيما يتعلق بعمله العسكري فإن الكثير منه لا زال طي الكتمان، فقد كان أحد القادة الفنيين ومهندسي صواريخ سرايا القدس، والعاكفين على تطويرها، ويسجل له إشرافه على تخريج عشرات الدورات من مهندسي صواريخ سرايا القدس، والعبوات الناسفة، فيما لا تزال وحدة الهندسة والتصنيع في سرايا القدس تتحفظ على كشف العديد من الانجازات التي حققها الشهيد طوال فترة حياته.
كان القائد القيق من المهندسين المبادرين دوماً في تطوير العمل التقني في سرايا القدس وقد حاول منذ العام 2007م أن تمتلك المقاومة الفلسطينية سلاح المُسيرات برفقة إخوانه المهندسين في السرايا، وبادر بتصميم نموذجاً لطائرة شراعية وكان من الذين أعدوا أبحاثاً ودراسات لصناعة المُسيرات التي من شأنها أن تُشكل مرحلة جديدة من مراحل العمل الجهادي ولكن قدر الله كان بان ارتقى أبو محمد شهيداً.
لم يكتمل حُلمه وقتها ولكن عزيمة وإرادة وقرار القيادة كان بالاستمرار في تطوير هذا العمل إلى أن وصلنا إلى النموذج الرائع الذي صنعه وطوره مهندسو سرايا القدس وكانت الصورة المُبهجة والرائعة التي شاهدناه في معرض المُسيرات الذي عرضته السرايا معلنة أولى عمليات هذا السلاح مع كشفها لمُسيرة جنين.
موعد مع الرحيل
وتعرض الشهيد لعدة محاولات اغتيال باءت معظمها بالفشل حتى صباح يوم الثلاثاء الموافق 30/4/2008م الذي ارتقت فيه روحه العلياء اثر استهدافه بصاروخين على الأقل أطلقتهم طائرة أباتشي صهيونية باتجاهه ما أدى إلى استشهاده ورفيقه المجاهد في سرايا القدس أسامة الهوبي الذي أصيب بجراح بالغة ارتقى على أثرها شهيدا بعد يومين من جريمة الاستهداف. نقلا عن الإعلام الحربي لسرايا القدس.