كانت لتكون تغطية عادية، اقتحام جديد، متكرر، وصوت شيرين سيأتي متأرجحا بين الثبات، والتهدج، ثبات الحقيقة، وتهدج العاطفة المكتومة، وبتقرير دقيق، واضح ومفصل، وموضوعي، تخبرك كل كلمة فيه بمعلومة جديدة، وقد تخبرك برأي أو تحليل منفصل السياق عن المعلومة، فلا يلتبسان.
من علمك يا شيرين وقوف السنديان، ولغة الزيتون، لا أحد يملك تحديد الحقيقة، لكنه صوت الأرض القديمة، والأمم الغابرة، ينبعث في صوتك، وحروفك، ووقوفك، وشروقك؟ كما يبرز اليوم في الثواني التي شهدت غروبك في جنين.
منذ ربع قرن، كنت موجة مختلفة على الشاشة، صوت ثابت متهدج، ثابت موضوعي رصين المعلومة، والتفاصيل، متهدج العاطفة، كأنه باقة ريحان، أو نبتة صبار، أو شتلة زيتون تعابث التربة، لتنهض، وتعلو في كل مرة، وكل كلمة، وكل سطر.
كل التفاصيل على مدى ربع قرن، قدمتها بكلمات محسوبة، ليست رنانة، ولا فاقعة اللون، ولا محددة الميل، بل واضحة ودقيقة دائما، لكن التهدج يخبرنا أنك مع المسن، والأرملة، والشيخ الكبير، مع الطفل، والصبي، مع الشيخ، والقسيس، مع المعلم، والطبيبة، لكنك تكتمين، فالمهنية شيء، والعواطف شيء، والحقيقة مقصودة، والخصوصية محفوظة.
كان مقدرا أن جنين ستحظى بلقب ظريف "جنينغراد"، بعد صمودها الطويل قبل 20 عاما في زحام انتفاضة الأقصى، وضجيجها، وعنفوانها، ولهيبها، اليوم، والأقصى في عين العاصفة، يبدو أن شيرين أبو عاقلة، ستغدو "شيرين غراد".. بعد استشهادها على بوابة جنينغراد.
كان مقررا أن الرصاصة يجب أن تنطلق لتصيب شيرين أبو عاقلة، فضرب جيفارا البديري، ومضايقة وليد العمري، وحرق أرشيف الدحدوح ورفاقه في غزة لم يكف، فيجب أن تكون الرسالة مباشرة.
لغة الرصاص في مواجهة الكلمات منذ البدء، لكن الكلمة كانت في البدء، ولذا فهي من يستحق الخلود، حاملوها بحق يستحقون الخلود، ومن يقف في طريقها، سيحترق، فمن يقف في طريق الحق والحقيقة؟
كتمت شيرين قضيتها في موضوعيتها، فصدور الأحرار قبور الأسرار، وتركت كلماتها تخرج موضوعية، كانت تهدج صوتها وحده كافيا، لغة الزيتون أوضح من أن تحتاج ترجمة.
ومضت شيرين في الضوء، وسيبقى القاتل سجين ظلامه، وجريمته، من يقف في سبيل الحق والنور، يحترق، الصديقون يرثون الأرض، وللأشرار الندم.
صوت الحق سيبقى يصرخ في البرية، أمدوا الجائع بخبزه، والظمآن بمائه، حتى يأتي يوم خلاص الأرض، وراحة الناس، لتتم بهم المسرة، سيسير المخلصون في سبيل الحق لغايتهم، سيخترقون المدى، وسيقف الباطل عند حده، وجنده سيحترقون.
حكاية جنين القديمة تعاد اليوم، وامتدادها شيرين نصري أبو عاقلة، "شيرين غراد" مدينة صمود كاملة تبدأ من زخم بحيرة طبرية، وجود كروم الجليل، تمر بقوة عكا، ثبات زيتون القدس، وقدم أقواس سبسطية، وعمق مغارة المهد، وأناقة قرميد الناصرة، ورحابة مرج ابن عامر، شموخ جبل الطور، وحكايات غزة وشاطئها.