على مدار سنوات صراع الفلسطيني مع محتلِ أرضه والحرص قائم على إبقاء حالة الوعي الثورية الجماهيرية متقدة ومشتعلة، اشتعالاً يصب الزيت على النار بالتدريج حتى نصل لمعركة التحرير، وما نشاهده من ازدياد في إقبال الشبان اليافعين على تنفيذ العمليات الفدائية "الفردية" خير مثال، وأضعف الإيمان حجارة ومواجهات تصدٍ لاقتحامات الجيش لمدن الضفة وجنازات الشهداء والمناسبات الوطنية.
تعمل الأحداث وتبعاتها على إعادة تسخين النفس الثوري في صدور الفلسطينيين، وجميعنا شاهد ما جرى في رمضان 2021 عقب تزايد الاعتداءات على القدس والمقدسيين؛ إذ خاضت المقاومة بكل أجنحتها تصعيداً استمر لأيام لكن في مقالتي هذه أسلط الضوء على الهبات الشعبية التي يتقدم فيها الشبان بصدور عارية يتصدون لأبشع محتل على هذه الأرض
نحن أمام حالة من استنهاض الوعي الثوري الذي بات يعيد تشكيل نفسه من جديد أمام الأحداث التي عشناها خلال الأيام الماضية، هذا الوعي سيشكل جبهة متينة تستطيع حماية المقدسات دون خوف من ردة فعل الجيش "الإسرائيلي" عند اندلاع أي مواجهات.
هذا الاستنهاض الثوري لم يحركه قائد أو تنظيم بعينه، بل حركته دماء الشهداء التي كانت وقوداً لذلك التدافع خلال مراسم التشييع بحضور كبير وهتافات ثورية وقوية بينما الشهداء على الأكتاف محمولين وما شاهدناه خلال تشييع جثمان الشهيد وليد الشريف كان نموذجاً بسيطاً لما أتحدث عنه.
عقب انتهاء التشييع توجهت أنظار الفلسطينيين نحو تجمعات جنود الاحتلال الذين هاجموا المقبرة التي دفن فيها "الشريف" الذي قتله الاحتلال في باحات المسجد الأقصى، المسجد الذي شهد جنازة مهيبة وصلاة على الشهيد بأعداد كبيرة ضاربين بعرض الحائط كل إجراءات الجيش الأمنية وحشوداته التي تنتظرهم بعد انتهاء الدفن
أمام مشهد رمي الحجارة وهرب الجيش المدجج بالسلاح أثبت الفلسطيني أن وعيه لم ولن يموت، ولكم أن تتخيلوا المشهد أن كنتم لم تشاهدوه، أعداد كبيرة من الجنود يحملون على أعناقهم أسلحة بإمكانها أن تقتل، وهم يهربون بينما تنهمر حجارة الفدائيين عليهم سجيلاً يحرقهم ويطردهم من أماكن المواجهات
هذا هو نتاج حالة الوعي التي بدأت تتأثر بمجريات الأحداث الأخيرة، فما جرى ليس دليلاً على ضعف ذلك الجيش وحسب، بل دليلاً على أن وجوه الفاتحين بدأت تنمو وتتشكل، وإن شهدنا قبل ذلك أحداثاً مشابهة إلا أن في التكرار تأكيدا على استمرار محاولات إيقاظ الروح الثورية في نفوس الشبان الذين أصروا على الصلاة في المسجد الأقصى والشهيد "وليد الشريف" على أكتافهم.